من فوقها تلال موشحة بخضرة الزيتون والعوسج (أشجار شوكية)، ومن أسفلها أرض تُخرج من باطنها ماء يَنضح فيتدفق فيُسقي الحرث والنسل.. تلك هي نبع "عين الحنية" في قرية "الولجة" غرب مدينة بيت لحم بالضفة الغربية.

نبعٌ يطلق عليه من تدب قدماه المكان "جنة الله في أرضه". فالعين التاريخية تبدو لوحة طبيعية رسمتها أنامل الماء في جوف الأرض، لكنها لم تسلم من تعكير الاحتلال الإسرائيلي لصفوها.

إذ تسعى سلطات الاحتلال الإسرائيلي، إلى بناء حدائق في "الحنية" كبرى عيون المياه وأقدمها بقرية الولجة، حيث بدأت تمنع وصول الفلسطينيين إليها، وفق ما تحدث به سكان ومسؤولون محليون.

و"الحنية" واحدة من 25 نبع مياه سيطرت سلطات الاحتلال الإسرائيلي على 22 منها منذ عام 1967 (تاريخ احتلال الضفة الغربية بما فيها شرق القدس )، في الولجة التي سُميت بهذا الاسم كونها تعد المنطقة المولجة لمدينة القدس، وتتميز بموقع استراتيجي عبر التاريخ.

فمن أراضي الولجة، يمر القطار الذي يربط مدينتي القدس ويافا، وفي قسمها الغربي كان خط "الهدنة" أو ما يسميه الاحتلال "الخط الأخضر" إبان العام 1948 "عام النكبة".

رئيس مجلس قروي الولجة، خضر الأعرج، قال إن "الحنية" تقع على أراض فلسطينية، وتُستخدم لري المزروعات والأغنام منذ ما قبل الاحتلال.

و أضاف الأعرج أن "الاحتلال الإسرائيلي يسعى للسيطرة على المكان لتحويله إلى حديقة وطنية، وتهويد معالمه العربية".

وتتذرع دولة الاحتلال الإسرائيلي بحجج أمنية لنقل حاجز عسكري يفصل القرية عن القدس المحتلة لضم العين، وسرقة مزيد من أراضي المواطنين، بحسب المسؤول نفسه.

وفي وصف الأعرج لأراضي قريته قبل احتلال الضفة الغربية، قال إنها "من أجمل مناطق فلسطين".

وفي العام 1948 هاجمت عصابات مسلحة صهيونية القرية واحتلتها، واستقر الأمر على رسم "الخط الأخضر" على نصف أراضيها التي كانت تضم معظم منازل الفلسطينيين الذين مٌنعوا من الوصول إليها، لتبدأ هجرتهم من هنا.

لكن سرعان ما عاد جزء منهم، بعد سنوات، ليؤسس القرية الجديدة على تلة قريبة من الولجة الأم.

ويسكن الولجة "الجديدة" الآن نحو 2500 نسمة، على مساحة ألفي دونم (الدونم يعادل ألف متر مربع)، من أصل 17 ألف دونم.

رئيس المجلس القروي، لفت إلى جهود قانونية تُبدّل لثني سلطات الاحتلال الإسرائيلي عن ضم "الحنية".

مساعي الاحتلال الإسرائيلي بشأن هذه العين، تحدثت عنها صحيفة "هآرتس" في وقت سابق، حيث أشارت إلى وجود مخطط في هذا السياق.

ويقضي مخطط الاحتلال ، بنقل حاجز عسكري مُقام على المدخل الغربي لمدينة القدس المحتلة، إلى ما وراء النبع.

وفي إطار التحرك الرسمي، أعلنت وزارة الخارجية الفلسطينية، في ديسمبر/كانون أول الماضي، أنها أوعزت لبعثتها لدى منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونيسكو)، من أجل "تقديم احتجاج سريع وفوري" لمنع نقل حاجز إسرائيلي على حساب العين.

واتهمت الخارجية الفلسطينية، دولة الاحتلال الإسرائيلي بـ"السعي لتهويد النبع، واستبدال اسمه بأسماء عبرية".

وتعد "الحنية" طوق نجاة لسكان القرية في فصل الصيف، لري مزروعاتهم ومواشيهم.

أحمد برغوث الذي يعمل مزارعاً، منذ سنوات، ويعتمد في ري أرضه على مياه النبع، يقول" تشتهر الولجة بزراعة الخضروات، كان سكان القدس قديماً يعتمدون على منتجاتنا اليومية".

وأردف :"(إسرائيل) تريد تحويل العين لمتنزه للمستوطنين، هم يسيطرون عليه منذ سنوات، ولكنهم يريدون منعنا الآن من الوصول إليه".

ومضى :"يومياً يأتي المستوطنون للتنزه هنا بحماية جيش الاحتلال الإسرائيلي، يريدون مزيدًا من السيطرة على الأراضي وتهجيرنا منها".

وبعد أن طُرد برغوث وعائلته وأهل قريته في العام 1948، وعادوا وبنوا الولجة الجديدة، أكد أنهم "لن يعيدوا الكرّة من جديد باللجوء، وسيبقون على هذه الأرض رغم المستوطنات التي شيدت عليها، وذاك الجدار الفاصل الذي لم يكتمل بعد".

وبدأت سلطات الاحتلال الإسرائيلي بناء جدار فاصل بين الضفة الغربية ودولة الاحتلال عام 2002، تحت ذرائع أمنية.

ووفق تقديرات فلسطينية، فإن الجدار يعزل نحو 100 ألف مقدسي عن المدينة، كما يهدف لضم 100 ألف مستوطن يهودي، إلى شرق القدس المحتلة، في حال تم الانتهاء من بنائه.