في عالم التكنولوجيا فقدت تفاصيلنا أدق خصوصياتها، حيث بات البعض يعلن تفاصيله على مواقع التواصل الاجتماعي، كنوع من التباهي، أو (البرستيج) فلنقل الحب المعلن مثلاً، حيث يرى الطرفان أن الحب لا يتم إلا إذا كتب الزوج لزوجته على ( الفيس) ( صباح الحب يا عسل ) و ترد الزوجة ( صباحك عسل يا روحي، يا حبيب ألبي) أو إعلان عن تفاصيل اليوم ( قضيت يوما جميلا برفقة زوجي حبيبي) و بعد قليل يعلق لها الزوج .. و ترد هي عليه؛ أتساءل هل الزوجان لا يريان بعضهما إلا على منشورات الفيس مثلاً؟ أم هي مراهقة و صبيانية فقط؟ و الذي يذهلني بالموضوع أن هناك بعض المثقفين سلكوا هذا الطريق، و كبار السن أيضاً؟ باعتقادي، جماليةُ الحب تكمن في خصوصيته، فليس بالضروري أن تتملق الزوجة بالقول لزوجها ،أو تتغزل به أمام الملأ و الأصدقاء، من قال إن الحب هو بعض كلماتٍ نعرضها للبعض؟ ما الذي ترمي إليه بعض النفوس المريضة أو الجاهلة من خلال عرض العلاقة و كشفها والبحث عن معمعةٍ للحب من خلال التكشف و التعري بالكلمات و الإعلان عن الخصوصيات؟
للأسف الشديد باتت هذه ظاهرة تكتسح مواقع التواصل الاجتماعي، ولم تعد قاصرةً على المراهقين، أو ( الخاطبين الجدد) بل امتدت كوباءٍ بين المثقفين و الأزواج الكبار في السن، حتى أن البعض يعاتب زوجته على أنها لا تكتب له كهذا على صفحات ( الفيس) رغم أن علاقتهما جيدة، و كأن الحب المعلن بالكلمات الركيكة و أحيانا المبتذلة له نكهة خاصة! فكيف يطلب الزوج من زوجته أن تتميع بالكلمات عبر (الفيس )على مرأى و مسمع الجميع ؟! ثم إن أراد هذا ، لم لا يتم على الخاص ؟ هل بتنا نعاني أمراضا نفسية تختص بالجذب و الصبيانية ؟
و ماذا عما يحدث في بعض أفراحنا ؟ حيث تتم التجاوزات بين العروسين أمام ناظر الجميع ! أين ما وصى به الرسول صلى الله عليه و سلم من الحفاظ على الخصوصيات؟ يعتقد الزوج أنه بفعل هذا يكون (جنتل مان ) ونسي أنه هزأ رجولته و قلل من شأن نفسه إما بتمايله في صالة الفرح بما يسمى (ألسلو) أو بتجاوزاته ؟ و كواقعة واقعية كان الفرح لرجلٍ كهل و متزوج و لديه أبناء فإذا به يرتكب تلك الحماقات و كأنه مراهق ! أتساءل عن ماهية معمعة الحب هذه ؟! الحب هنا ليس حباً بل طوراً من أطوار التكلف و التصنع.
الحب في حقيقته شعور تواصل بين اثنين دون أي إفصاحٍ ربما، هو تواصل روحي عبر الشعور، لا يحتاج منا ضجة الكلمات بين الملأ، بل تكفيه النبضات الصامتة التي تنبض في قلب و تصل ذبذباتها لقلبٍ آخر! الحب فعل لا قول، اهتمام لا إهمال، تقدير لا ازدراء.
علينا تعلم احترام خصوصياتنا فمتى لجأت خصوصياتنا إلى العلنية، فقدت جمالها ولهفة صدقها وباتت ربما مجرد إعلانات و ترويج؟
هل تحتاج أن يعلم فلان و فلانة بحبك لزوجتك و تغزلك بها ؟ هل تحتاج الزوجة أن تتعاطى مع التفاهات لتثبت لزوجها أنها تحبه ؟ للأسف الشديد ضاق أفق البعض و بات ينظر للمجاهرة في الخصوصيات من التحضر و الرقي، و البعض سار على منواله على سبيل الغيرة و الجهل، و كل لا يفقه من الحب و الاهتمام سوى بعض كلمات يسطرها في تعليق أو منشور على ( الفيس ).
لله در أولئك الذين يتعاطون الحب بجرعات الاهتمام و حسن المعاملة؛ و هنيئا لكل إنسان مثقف و غير مثقف يغار على خصوصياته أن تنتشر كقطع الغسيل على الحبال حيث يمكن لكل مار بالسطور والمشاهد أن يتلّمسها بعينيه و يتخيلها بخياله الواسع.
و أخيراً وسعوا مدارككم و خففوا من مراهقاتكم الحادة، و إن كان لا بد منها ، خبئوها عنا فقد بتنا نخجل و أنتم بعد لم تخجلوا.