فلسطين أون لاين

إبعاده عن الخوف والقلق والتوتر

"التأتأة" ما بين الشهيق والزفير مشكلة تحتاج إلى علاج

...
غزة/ مريم الشوبكي:

التأتأة تظهر لدى الطفل في سن صغيرة، نتيجة خلل عضوي، أو نتيجة موقف أو حدث صادم، ويمكن أن تلازمه مدى حياته، إذا لم ينتبه إليها الوالدان ولم تعالج، وستسبب له الكثير من المشاكل عند التواصل مع الآخرين وتشكيل علاقاته الاجتماعية.

التأتأة وأسبابها عند الطفل وأنواعها، والعلاج الذي يقدم للتخلص منها، والسن التي يمكن أن تظهر فيها التأتأة، كل هذه الأسئلة وغيرها سيجيب عنها التقرير التالي:

اضطراب

بين الاختصاصي النفسي والتربوي إسماعيل أبو ركاب أن التأتأة هي نوع من إعادة تكرارالصوت واختلاف حدته وشكله في سلسلة الكلام، فيردد الطفل المصاب صوتًا لغويًّا أو مقطعًا أو عبارات لا إرادية، مع عدم القدرة على تجاوز ذلك إلى المقطع التالي.

وذكر أبو ركاب لـ"فلسطين" أن أغلب المصابين بالتأتأة يعانون من اضطراب في حركتي الشهيق والزفير في أثناء النطق بالحروف، مثل انحباس النفس ثم انطلاقه بطريقة تشنجية، ويلاحظعلى الطفل صاحب تلك المشكلة حركات زائدة عما يتطلبه الكلام العادي، وتظهر هذه الحركات في اللسان والشفتين والوجه وحركة اليدين.

أنواعها

وللتأتأة عدة أنواع، يذكر الاختصاصي النفسي منها: التأتأة النمائية: وتكون لدى الأطفال من سن عامين إلى أربعة أعوام، وتستمر عدة أشهر، وهي مرتبطة بعدم قدرة الطفل على التواصل اللفظي لطبيعة المرحلة التي يعيش فيها.

ولفت إلى أن النوع الثاني هو التأتأة المعتدلة: وتظهر لدى الفئة العمرية من ست سنوات إلى ثمان، وتكون المشكلة مرتبطة بحدث خارج عن استطاعة الطفل وسبب له صدمة نفسية من انعكاساتها التأتأة في تلك المدة، ولكنها يمكن علاجها والسيطرة عليها.

أما النوع الثالث _حسبما ذكر أبو ركاب_ فهو التأتأة الدائمة: وتظهر لدى الأطفال من سن ثلاث سنوات إلى ثمان، ويمكن أن تستمر معهم مدة، إلا إذا عولجت بأسلوب فعال، وأغلب من يعانون من تلك المشكلة كان لها ارتباط واضح بمرحلة الحمل وما بعدها، أو لها أصل عضوي غالبًا.

وأشار إلى أن التأتأة الثانوية التي تأتي على شكل تكشيرة في الوجه، وحركات الكتفين، وتحريك الذراعين أو الساقين، ورمش العينين، أو تنفس غير منتظم؛ في الغالب يكون سببها خللًا في لغة الجسد مع اللغة المنطوقة.

لدى الذكور أكثر

وبين أبو ركاب أن نسبة انتشار مشكلة التأتأةلدى الذكور أكثر من الإناث، وأن نسبة انتشارها في المجتمع 1%.

وعن بداية ظهور التأتأة ذكر أن بعضًا يولد ولديه تلك المشكلة، وقسم آخر من الأطفال لم تكن لديه تلك المشكلة وفجأة بعد حدث معين أصيب بها، أي لا موعد محدد لتلك المشكلة إلا تصنيفها أنها منذ الولادة أو طارئة حصلت في السنوات الأولى من حياة الطفل.

ونبه أبو ركاب إلى أن التأتأة تعد مشكلة إذا تجاوز الطفل أربع سنوات وما زالت موجودة لديه، وأصبحت تشكل عبئًا نفسيًّا واجتماعيًّا عليه، حينها يكون بحاجة إلى علاج، مع العلم أنه كلما كان العلاج مبكرًا في السنوات الأولى كان النجاح أكبر في حل لتلك المشكلة.

أسباب التأتأة

وبين أنه لا تعرف أسباب التأتأة تحديدًا حتى هذه اللحظة، ولكن هنالك العديد من المسببات التي قد تؤدي إلى الإصابة بها، منها عوامل فسيولوجية عضوية، وعوامل عصبية مرتبطة بالمخ، وعوامل اجتماعية مرتبطة بالبيئة التي يعيش فيها الطفل، وعوامل لغوية مرتبطة بطبيعة اللغة المنطوقة في المحيط الاجتماعي.

ولفت اختصاصي الصحة النفسية إلى أن أسباب التأتأة تشمل الجوانب النفسية والاجتماعية كتلك التي تتعلق بالتربية والتنشئة الاجتماعية، فأساليب التربية التي تعتمد على العقاب الجسدي والإهانة والتوبيخ كثيرًا ما تؤدي إلى إصابة الفرد بآثار نفسية وإحباطات من شأنها أن تعيقعملية الكلام عند الأطفال.

وحذر الآباء من إهانة الأبناء أمام الغرباء وتوبيخهم ومعاملتهم دون احترام، فعدم القدرة على التأقلم الاجتماعي يحد من اللغة المنطوقة.

ونبه أبو ركاب إلى أن إهمال الآباء للأبناء، ومحاولتهم إسكات أبنائهم عند التحدث أمام الآخرين يؤديان في النهاية إلى خلق رواسب نفسية سلبيةتعمل على زعزعة الثقة بالنفس لدى الطفل، ما يجعله يشك في قدرته على التحدث بشكل صحيح أمام الآخرين.

وأشار إلى أن هناك أسبابًا تشريحية عضوية، كأن يعاني الشخص المصاب من خلل واضح في أعضاء النطق، مثل: اللسان، أو يصاب بهذه المشكلة نتيجة لإصابة الجهاز العصبي المركزي بتلف في أثناء الولادة أو بعدها.

الآثار النفسية للتأتأة

بين الاختصاصي النفسي أن الطفل الذي يعاني من التأتأة عرضة لمعايشة تأثيرات انفعالية وسلوكية محددة بسبب الصعوبة الكلية في الكلام، فالطفل الذي لا تزيد سنه على ثلاث سنوات ويبدأ تكرار بعض الكلمات والأحرف قد لا يدرك معنى صعوبة الكلام، ولكن عدم الإدراك هذا لا يدوم طويلًا؛ فسرعان ما يشعر بالإحباط الذي يصيبه عندما يبدأ التعبير عن نفسه.

وذكر أن الطفل عندما يبدأ إدراك التوتر والسلوكيات الغريبة التي ترتبط بالكلام تبدأ لديه مرحلة التوتر والقلق والمشاعر السلبية وسلوكيات التجنب لديه، وتزيد وتيرتها مع التقدم بالعمر، وهنا يبدأ الشعور بقلق المستقبل.

العلاج

كيف يكون علاج التأتأة؟، أفاد أبو ركاب أنه يكون بالتحكم ببيئة الطفل المتأتئ، أي تعريف وتحديد العوامل الموجودة في بيئة الطفل التي تعمل على زيادة التأتأة، ثم يلي ذلك محاولة التخلص من هذه العوامل أو الحد منها، ما أمكن.

من هذه العوامل ذكر: عدم إصغاء المستمع من الوالدين أو الإخوة للطفل المتأتئ وردود فعله، وقطع الحديث، وتنافس الإخوة, والإثارة الشديدة من الخوف والقلق.

ولفت أبو ركاب إلى أنه يمكن تلخيص طرق العلاج ضمن مجموعتين حددهما بعض العلماء: (التحدث بطلاقة أكثر) و(التأتأة بسهولة أكثر)، قائلًا: "إن دمج هاتين الطريقتين قد يكون مناسبًا لعلاج كثير من الحالات".

وعن الطريقة الأولى بين أنه يكون التركيز منصبًا فيها على تعليم الفرد مهارات وأساليب لتعزيز وزيادة الطلاقة الكلامية، مثل: البداية السهلة والبطيئة للكلام، والتقاء بطيء لأعضاء النطق، وتنظيم التنفس.

أما الطريقة الثانية (التأتأة بسهولة ودون توتر) _حسبما ذكر_ فإنها تساعد الفرد على التقليل من مستوى التوتر والقلق، وتعديل لحظات التأتأة، فلا تؤثر على قدرات الفرد على الكلام والتخاطب.

ونصح أبو ركاب باستخدام البرامج المكثفة لتحسين الطلاقة التي تساعد الفرد في معظم الأحيان على تعزيز ثقته بنفسه، وجعله قادرًا على الحديث بطلاقة أكبر.

ومن الأساليب الأخرى لعلاج تأتأة الأطفال _حسبما أفاد_ تكلم الأم الدائم مع طفلها، وهي تريه وجهها وفمها وليست معرضة عنه، والتحدث إليه ببطء، مع عدم إجباره على تعلم الكلام، إلا إذا كان يتقبله.

وأشار أبو ركاب إلى أنه من المفيد تعويد الطفل الكلام البطيء مع الإيقاع أو الموسيقا، وذلك باستخدام اليدين أو آلة موسيقية، وتعويد الطفل القيام بعملية شهيق وزفير قبل كل جملة، فالتنفس يؤدي إلى إبقاء الأوتار الصوتية مفتوحة.

ولعلاج التأتأة أيضًا دعا الأم إلى خفض القلق تدريجيًّا عند الطفل، بتجنب إبداء التعليقات عليه بشأن تلعثمه، مع تقديم المزيد من التقبل والاستحسان عندما ينطق بكلمة بشكل صحيح.

وأشار اختصاصي الصحة النفسية إلى أنه يمكن للأهل استخدام أسلوب الترديد أو الاقتفاء علاجًا سلوكيًّا للمشكلة، وهو تكرار المحاولة، وعلى الأم محاولة تحسين الوضع النفسي للطفل، خاصة إذا كانت التأتأة قد أعقبت صدمة نفسية، مثل: موت قريب أو حادث.

وحذر الأهل من إرغام الطفل على سرعة الاستجابة، وهو في حالة فزع أو توتر نفسي، أو إرغامه على الصمت إذا كان يصرخ.