القاصي والداني يدرك أن صفقة القرن الأمريكية تهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية، والعاقل والجاهل يدرك أن المساعي الأمريكية لا تخدم إلا الأطماع الإسرائيلية، والسياسي وبياع البقدونس يعرف أن الحل الإنساني المطروح على أهل غزة يهدف إلى تعزيز الفصل بين غزة والضفة، والمتابع والمهمل للحدث السياسي لا يختلف مع الدكتور صائب عريقات أمين سر اللجنة التنفيذية فيما ذهب إليه من تقييم للحالة السياسية وخطورة ما يحمله اليهوديان الصهيونيان كوشنر، وجيسي غرينبلات من مشاريع لا تخدم إلا أعداء الشعب الفلسطيني، والتي يمكن تلخيصها كما وردت على لسان صائب عريقات بالنقاط التالية:
1ـ بعد أن شطبوا القدس، يريدون شطب الأونروا، وذلك من خلال طرح تقديم المساعدات مباشرة للدول المضيفة للاجئين الفلسطينيين بعيدًا عن الوكالة الأممية".
2ـ يريدون ترتيب صفقة مالية لقطاع غزة بقيمة مليار دولار لإقامة مشاريع، بمعزل عن الأونروا، تحت ما يسمى حل الأزمة الإنسانية، وكل ذلك من أجل تصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين.
3ـ بنيامين نتنياهو مستعد لتلبية احتياجات غزة من خلال اقتطاع الأموال اللازمة من العائدات الضريبية للسلطة الوطنية، بهدف إبقاء الانقسام قائماً، وفصل غزة عن الضفة، تمهيدًا لإتمام مشروع دويلة في القطاع مع إسقاط السلطة الفلسطينية في الضفة".
السؤال الذي يتوجب أن يجيب عليه كل فلسطيني وعربي، وفي الإجابة عليه علاج للمرض الفلسطيني، وشفاء من داء الإهمال والانقسام والضياع والتشتت، والسؤال هو:
لماذا تسمح قيادة المنظمة لنتانياهو بأن يكون إنسانياً أكثر منهم، ليقتطع نصيب غزة من أموال الضرائب؟ لماذا لا تعودوا إلى الصف الوطني، وتقطعوا على نتنياهو الطريق، وتعيدوا رواتب الموظفين المقطوعة إلى أصحابها؟ لماذا لا تسبقون نتنياهو، وترفعوا العقوبات عن غزة؟
إن كل فلسطيني يتنفس هواء الكرامة يعرف أن السلطة الفلسطينية هي المسؤولة عن الأزمة الإنسانية في غزة، بل وتتعمدها، وتتعمد معاقبة غزة بعدم السماح بتحويل مئة دولار فقط للجمعيات الخيرية، ويعرف الغبي والذكي أن الذي يقطع الكهرباء عن غزة، ويتعمد إفلاس المستشفيات وضياع الطلاب وإرهاب المدرسين، وتسكين الأطباء في غرف الإنعاش، هم قيادة السلطة الفلسطينية، ويعرف المسلم والمسيحي أن الذي يدمر غزة، ويتعمد فصلها عن الضفة الغربية، ويتعامل من أهلها على أنهم طابور خامس أو عملاء أذلاء، ويحسب أنهم بطة سوداء لا مكان لها بين السادة والأمراء هم القيادة الفلسطينية، ويعرف الطفل والعجوز أن الذي ترك غزة تحارب الجيش الصهيوني ثلاث مرات دون أن يسمح بمظاهرة تأييد واحدة لها في الضفة هو محمود عباس، وهو الذي يرفض أن يشارك أهل غزة معركة حق العودة، ويحارب فكرة إطلاق حجر من يد طفل ضد المستوطنين، وهو الذي أعطى الأمان لليهود كي يستوطنوا، ويتوسعوا، وسمح لأكثر من مئة ألف عامل فلسطيني يخدم ويطور وينمي المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية، وهو الذي ادعى بأن زيارة القدس، وختم جواز السفر بنجمة داوود ليس تطبيعاً.
وما أسهل أن تشخص المرض في الساحة الفلسطينية، وأن تحدد الفيروس الذي أصاب عصب القرار السياسي الفلسطيني! ولكن من العار أن تهرب من الجواب، لتبرئ المجرم الحقيقي الذي أعطى السكين للجلاد، كي تتهم الضحية بأنها السبب في شحذ السكين!
غزة لن تكون مجنونة لترفض أي مشروع يفك القيود عن معصمها، وغزة لن تحارب أي حل يسمح لأجنحة شبابها بالتحليق في سماء السفر بلا قيود، وغزة لن تهتف ضد أي مشروع يفتح أبواب العمل لأهلها الذين ضيقت العقوبات فرص حياتهم، وغزة ستبصق على شوارب كل من يحملها المسؤولية عن الضائقة المعيشية التي مزقت مفاصلها، وأرهقت عضلاتها.
وتؤكد غزة والضفة الغربية والقدس أن الدعم الحقيقي لصفقة القرن قد جاء من المتعاونين أمنياً مع المخابرات الإسرائيلية، ومن أولئك الذين يعاقبون أهل غزة لأنهم يحاربون صفقة القرن