فلسطين أون لاين

​تدويل قضية الأسرى الفلسطينيين.. الطرق والوسائل

...
د. أيمن أبو ناهية

لا شك أن قضية الأسرى هي قضية ما يقارب من ( 7000) أسير وأسيرة قابعين في سجون ومعتقلات الاحتلال، والموزعين على أكثر من عشرين سجناً ومعتقلاً ومركز تحقيق وتوقيف بظروف لا تليق بحياة الآدمية، كما أنهم يشعرون بالتقصير الاعلامي بإبراز قضيتهم، فالاحتلال استطاع من خلال جهود منسقة ومترابطة وبتنسيق رسمي وأهلي تكاملي أن يجعل من العسكري الجندي شاليط الذى أسر عن ظهر دبابة قضية عالمية، وحولته من عسكري في مهمة رسمية إلى شاب مليء بالأحلام يحمل مضمونا انسانيا ويطالب الجميع بالحفاظ على حياته وتحريره، وقد انساق الحلفاء والمغررون مع هذا التوجه حتى وضعت صوره في معظم العواصم الغربية، وبات الأسرى يتذمرون من ضعف الأداء الاعلامي المحلي والعربي الذي لم يستطع استثمار قصة شعب أعزل يطمح للحرية والسيادة والاستقلال كباقي الشعوب، واليوم تقوم سلطات الاحتلال بعملية تسويقية واسعة بشأن المعاناة الإسرائيلية، وخير مثال على ذلك تحويل قضية أحد جنود الاحتلال الذي وقع في الأسر الفلسطيني، إلى حالة إنسانية، في حين تطالب العالم بالتعامل مع آلاف الاسرى الفلسطينيين على أنهم "إرهابيون"!

ان تدويل قضية الأسرى يحتاج إلى جهود جماعية " فلسطينية وعربية وجاليات في دول غربية وأجنبية ، وهذا الأمر يحتاج لعقد المزيد من المؤتمرات الخاصة بالأسرى في عواصم عربية وغربية وفى دول متنفذة بالقرار للتعريف بهذه القضية ، فمن خلال هذا الجهد يتم تشكيل رأي عام ضاغط يساهم في الضغط على المؤسسات الدولية المعنية بهدف التخفيف عن الأسرى والعمل الجدي على إطلاق سراحهم. إلى جانب ذلك الجهد بالنسبة للسفارات العربية والفلسطينية والدول الصديقة في الخارج عليها واجب التحرك وخاصة في الموضوعات الاعلامية, أسوة بالسفارة الاسرائيلية وذلك من خلال تنظيم أنشطة لدعم قضية المعتقلين وعقد المؤتمرات الصحفية عند كل انتهاك بحق الأسرى، فمن الضروري التعريف بهذه القضية في الساحة الدولية لاستمالة الرأي العام العالمي لصالح هذه القضية. كذلك يجب وضع خطة إستراتيجية، تعتمد على التكامل والتراكم واستخدام كافة أشكال العمل الاعلامي، باعتبارها قضية فلسطينية عربية إسلامية مقدسة، وواجب على كافة وسائل الإعلام المختلفة (المرئية والمسموعة والمطبوعة والالكترونية) منحها المساحات الكافية وتفعيلها ومساندتها بما يوازي حجم الانتهاكات والجرائم التي يتعرض لها الأسرى والأسيرات في سجون الاحتلال الإسرائيلي.

ولعل أهم جوانب التقصير يلقى على عاتق الاعلام الفلسطيني فقط ، والأمر يحتاج إلى مشاركة عربية لما تحمل هذه القضية من رسالة انسانية وابداعية على طريق تدويل قضية الأسرى وكشف زيف الديموقراطية الاسرائيلية من خلال عرض الانتهاكات للمواثيق والقرارات الدولية وخاصة اتفاقية جنيف الثالثة والرابعة وملاحقها.

بالإضافة لذلك فإن التدويل وضع تصبح فيه الآليات الدولية فعالة ومتحركة إلى جانب الحقوق، بالتالي تسعى إلى فرض إحقاقها على منتهكيها وإلى دعم الضحية في استعادة حقها كذلك. ويمكن أن يكون أهم تغيير تخلقه عملية التدويل كامناً في التمركز حول الحق الذي يشكل أحد أهم أركان قوة الضحية المستضعفة في تعطيل مفعول قوة وسطوة وقمع الطرف المسيطر. بناءً على ذلك، في حالتنا يكون الاحتلال الاسرائيلي.

هناك قانون أساس أثبتته وأعادت إنتاجه كل ثورة شعبية وكل حركة تحرر، ويصرح بأنه لا يكفي أن تكون مجموعة ما أو شعب ما ضحية كي يتضامن العالم معها، بل إن العالم يتضامن ويتحرك مع الضحية إذا كانت مدركة وواعية للظلم ولاستلاب الحق ومتمسكة بحقوقها، والأهم أنها تقاوم الظلم والظالمين. وفي المقابل فإن أنظمة الاستعمار العنصرية لا تتورع أخلاقيا عن ارتكاب أية جريمة تجاه الشعب الضحية. وبقدر ما تصمد الضحية وتتحدى وتناضل، فإن التعاطف مع الضحية يتحول إلى تضامن، بمعنى الفعل السياسي الذي يتمتع بالتأثير والأفق الاستراتيجي.

إن التدويل يختلف عن التضامن كونه أوسع منه، وأنه جوهرياً فعل الشعب الضحية بالترافق مع حراك متفاعل معه. أما التضامن فهو فعل المتضامنين من خارج كيان الضحية. كما أن التدويل في جوهره يختلف عن عملية الإقناع أو لفت النظر، فإن قضايا بحجم القضية الفلسطينية ليست مسألة "سوء تفاهم" أو "عدم معرفة بها"، فهي بحاجة إلى فعل يرتقي بها إلى مستوى تحمل و/أو تحميل المسؤوليات على مختلف الصعد، لأن جوهر التدويل يكمن في تحريك فعل التضامن واستدامته والمقصود هو التضامن الشعبي العالمي أولاً، إضافة إلى تحريك المحافل الدولية الرسمية باتجاه تحمل مسؤولياتها. وكلما تواصل واتسع نضاله فإن حركة التضامن المتجندة والمتجددة والمتسعة تقود حراكا في بلدانها أو مناطقها وداخل مجتمعاتها، وتشكِل ضغطاً مؤثرا على حكوماتها وبرلماناتها وإعلامها وعلى الهيئات الدولية والمحافل الرسمية، فيتحرك كلٌّ في مستوى قراره ودوره للتأثير باتجاهين: الأول، هو دعم الضحية وتدعيمها وتعزيز الأمل لديها بالانتصار وتحقيق الأهداف، والثاني، إضعاف الجهة الظالمة المحتلّة العنصرية الاستعمارية وعزلها وفرض العقوبات عليها ونزع شرعيتها وصولا إلى تفكيك منظومتها القمعية البنيوية وإحقاق حقوق الشعب الضحية اعتمادا على نضاله التحرري وعلى الشرعية الدولية.

أعتقد أن أغلب ما يقدم إعلامياً عن الأسرى من خلال وسائل الإعلام المختلفة "المقروءة والمسموعة والمشاهدة" المحلية الفلسطينية منها والعربية، بالإضافة إلى ما تتضمنه الأعمال الفنية والأدبية لم يرتق إلى مستوى وحجم هذه القضية الإنسانية والأخلاقية والوطنية والقومية والدينية وما تحمل من أبعاد أخرى، كذلك لا يقتصر الامر عند الجانب الاعلامي فقط كي يصبح الشماعة التي نعلق عليها الملابس، بل يجب ان يوازي جهود أخرى مثلا:

يجب إدراج قضية الأسرى ضمن المنهاج التعليمي وفي الجامعات وخطب المساجد بالشكل والكيف والكم الذى يؤدي الرسالة الانسانية والدينية وبما يخدم هذه القضية. بالإضافة الى ذلك ايضا القيام بحملات متضامنة عبر وسائل الاعلام العربية وغير العربية للتعريف بقضايا الأسرى على غرار الحملة التي قام بها مركز الأسرى للدراسات عبر موقعه وبالتعاون مع وسائل الاعلام المختلفة تحت عنوان " حملة الوفاء والتضامن مع طلائع الحركة الوطنية الأسيرة".

ولا ننسى ضرورة دعم ومساندة وسائل الاعلام المتخصصة بقضايا الاسرى كالمواقع الالكترونية التطوعية التي تحتاج إلى تحديث ولغات، وكذلك دعم إذاعة الأسرىالتي انطلقت من غزة والتي هي بمثابة حلقة وصل حقيقية بين الأسرى وذويهم في ظل منع الزيارات منذ سنوات. وأخيراً تخصيص مساحات لشرح معاناة الأسرى ومئات القصص التي أحدثها الاعتقال، وأدب السجون في الصحف والمجلات العربية، وابراز هذه القضية على الصفحات الرئيسية منها.