فلسطين أون لاين

تقرير: الطائرات الورقية بين الاستنزاف والتهويل

...
غزة- الأناضول

يهول اعلام الاحتلال الإسرائيلي والأوساط السياسية في تل الربيع المحتلة (تل أبيب) من الآثار الناجمة عن إطلاق الطائرات الورقية والبالونات المشتعلة (الحارقة) باتجاه المستوطنات المحاذية لقطاع غزة، بهدف استغلالها لأغراض سياسية، بحسب خبيرين في الشأن الإسرائيلي.

عبر ذلك التهويل، وفق الخبيرين، قد تهيّئ الأوساط السياسية المجتمع الدولي لإمكانية قتل جيش الاحتلال الإسرائيلي مطلقي الطائرات والبالونات من غزة باتجاه الأراضي الزراعية الإسرائيلية.

ويسود جدل لدى حكومة الاحتلال حول سبل مواجهة مطلقي الطائرات والبالونات، إذ يرى بعض أركان الحكومة، مثل رئيسها بنيامين نتنياهو ووزير جيشه، أفيغدور ليبرمان، تجنب قتلهم، لتفادي تأثير سلبي على صورة إسرائيل عالميا.

وواجه الاحتلال الإسرائيلي انتقادات دولية حادة، لقتلها أكثر من 120 فلسطينيا، في 14 و15 مايو/ أيار الماضي، خلال مشاركتهم في مسرات العودة ، قرب الحدود بين قطاع غزة والأراضي المحتلة عام 1948..

وتميل المستويات الأمنية في جيش الاحتلال الإسرائيلي والمخابرات الإسرائيلية إلى التوصية بالامتناع عن قتل المتظاهرين، لتجنب أي تصعيد قد يتحول لمواجهة مع حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في القطاع.

لكن وزراء إسرائيليون، مثل وزير التعليم، نفتالي بينيت، ووزير الأمن الداخلي، جلعاد أردان، يوصون بضرورة السماح لجيش الاحتلال بقتل مطلقي الطائرات االورقية من غزة، التي يحاصرها الاحتلال الإسرائيلي منذ 12 عاما.

ويستغل الاحتلال إسرائيلي ذلك التهويل في محاولة لتبرئة نفسها عالميا وقصف أهداف ومواقع تابعة لفصائل فلسطينية، أبرزها حركة حماس، كنوع من الرد على إطلاق الطائرات الورقية.

وزعم المتحدث باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي، أفيخاي أدرعي، في 10 يونيو/ حزيران الجاري، أنه تم "إحباط نفق استثنائي هجوميّ يمتد باتجاه البحر يتبع لحركة حماس".

وزعم أدرعي، في تصريحات مختلفة، أن المواقع التي يتم قصفها "هي من البنية التحتية العسكرية للحركة".

استنزاف فلسطيني

بالفعل تستنزف الطائرات الورقية الحارقة الاحتلال الإسرائيلي من ناحيتي الاقتصاد والأمن القومي، لكن ليس لدرجة وصف وسائل إعلام إسرائيلية ما يحدث بأنه "حرب استنزاف"، بحسب خبيرين في الشأن الإسرائيلي.

وقال دودي سيمحي، ضابط في جهاز الإطفاء والإنقاذ الإسرائيلي، الجمعة الماضي، إن نيران الطائرات والبالونات التهمت نحو 25 ألف دونم (الدونم= ألف متر مربع) من الأراضي الزراعية، خلال الشهرين الماضيين، وفق صحيفة "هآرتس" العبرية.

ولقد وجد الاحتلال الإسرائيلي مخرجا لتعويض مزارعيها المتضررين من النيران، التي تشعلها الطائرات والبالونات الحارقة، من خلال خصم مبالغ التعويضات من ميزانية السلطة الفلسطينية، وذلك بحسب تعليمات رئيس حكومته بنيامين نتنياهو، الأحد الماضي، بخصم مبالغ مالية من ميزانية السلطة الفلسطينية، لصالح تعويضات لمزارعين إسرائيليين.

ويأتي جزء كبير من ميزانية السلطة الفلسطينية عبر الاحتلال الإسرائيلي، إذ تحول للسلطة شهريا دفعات ضريبية تقوم بجبايتها من البضائع الفلسطينية المنقولة عبر الموانئ والمعابر الإسرائيلية.

الشعور بالأمن

ووفق أنطوان شلحت، الخبير في الشأن الإسرائيلي، فإن هذه "الطائرات شكل من أشكال الاستنزاف، فالاحتلال اعتاد على الحروب التقليدية السريعة، لكن مسألة الاستنزاف تصيبه في الصميم".

وأضاف شلحت، أن "الاحتلال الإسرائيلي أثبت، على المستوى الاقتصادي، خلال العقد والنصف الماضيين، أنه يستطيع أن يمتص الآثار المادية للحروب التي خاضها".

واستدرك: "لكن أخطر ما في ذلك الاستنزاف حسب وجهة نظر دولة الاحتلال هو أن الطائرات الورقية الحارقة تستنزف الشعور بالأمن لدى المستوطنين".

وشدد على أن "الأمن في رأس جدول أعمال الأحزاب السياسية الإسرائيلية، وقد تسقط حكومات إذا تخلخل الشعور بالأمن".

وأوضح أن هذا الاستنزاف يشكل "ضغطا كبيرا على المؤسستين السياسة والأمنية ".

ورأى أن التهويل الإعلامي الإسرائيلي لآثار الطائرات الورقية الورقية الحارقة "يخدم أهدافاً سياسية إسرائيلية، أو لتبرير القبضة الحديدة ".

ورغم تسببها بزعزعة حالة الأمن في المستوطنات المحاذية لقطاع غزة، إلا أن أضرار تلك الطائرات ليس بالقدر الذي تحدثه الصواريخ والقذائف الصاروخية التي تُطلق من غزة.

وإضافة إلى الاعتداءات الإسرائيلية، يعاني أكثر من مليوني نسمة في غزة من أوضاع معيشية وصحية متردية للغاية، جراء حصار الاحتلال الإسرائيلي للقطاع.

وبدأت (إسرائيل) حصارها لغزة عقب فوز حركة حماس بالانتخابات التشريعية، عام 2006، ثم عززته إثر سيطرة الحركة على القطاع، في العام التالي، ضمن خلافات مع حركة فتح.

من التحذير إلى القتل

ضمن سياسية متعمدة، يستخدم الاحتلال الإسرائيلي مصطلح "إرهاب الطائرات الورقية"، لإظهارها بمظهر خطير، بحسب وديع أبو نصار، مدير المركز الدولي للاستشارات في مدينة الناصرة شمال فلسطين المحتلة عام 1948.

وتابع أبو نصار أن المؤسسة السياسية الإسرائيلية تسعى "بشكل حثيث إلى عطاء تلك الصورة عن الطائرات الورقية، حيث أصبح الرأي العام الداخلي يتبنى ذلك المصطلح".

وأوضح أن ذلك قد يشكل "ضغطا على جيش الاحتلال الإسرائيلي والمؤسسة الأمنية للانتقال من مرحلة تحذير مطلقي الطائرات إلى مرحلة القتل المباشر".

ولفت إلى وجود "مشاورات قانونية تبحث إلى أي مدى يسمح القانون الإسرائيلي للجيش بتوجيه ضربات مباشرة لمطلقي الطائرات".

وأعرب عن اعتقاده بأن استمرار ظاهرة "إطلاق الطائرات الورقية تجاه المناطق المحاذية لغزة سيزيد ضغط المستوى السياسي على الجيش لقتل مطلقي الطائرات والبالونات".

لكن ما قد يحسم أمر تلك الطائرات الورقية وفق "أبو نصار"، هو "تسببها بإحداث خسائر بشرية أو أضرار مادية جسيمة في الجانب الإسرائيلي".

ومضى قائلا: "لا يمكن استبعاد حدوث خسائر بشرية، فنحن في فصل الصيف، والنار قد تشب بشكل سريع وتخرج عن السيطرة".

تصعيد جديد

ولفت أبو نصار إلى قصف الطائرات الإسرائيلية الحربية مواقع تابعة لحركة حماس، ردا على إطلاق الطائرات الورقية، كون "حماس" هي المسيطر الفعلي على غزة.

وأعرب عن اعتقاده بأن "(إسرائيل) لا تريد أن تتعامل مع مطلقي الطائرات بغزة؛ لكن التعامل الأساسي هو مع حماس، كونها المسؤولة عن كل ما يحدث في القطاع".