قبل بضعة أشهر شاركت الإمارات العربية المتحدة في مناورات عسكرية في اليونان. المناورات شاركت فيها (إسرائيل) أيضًا؟! هذا الخبر ذكرته صحف عبرية، ونقلته عنها قناة الجزيرة الفضائية. لم يحدث هذا الخبر أدنى ردة فعل على المستوى العربي أو الفلسطيني، فقد مرت عليه الأطراف مرور الكرام وكأنه من يوميات الحياة المعتادة؟!
رحم الله الأمس، والأمس القريب، حين كانت الأنظمة العربية تتحفظ على علاقاتها مع (إسرائيل) وتجريها بسرية تامة، أو شبه تامة، السرية كانت مطلوبة عربيًّا للمحافظة على كرسي العرش من غضب الجماهير. اليوم تبدّل الحال وصار الإعلان وإشهار هذه العلاقات هو الطريق لحفظ العرش، ودوام الملك؟! الإعلان هو الطريق إلى البيت الأبيض، وهو الطريق للحصول على رضا من يسكنه.
حين تصل العلاقات مع (إسرائيل) إلى مجال التشارك في مناورات عسكرية، فإن هذا يعني أن رحلة العلاقات الثنائية السرية قديمة ووثيقة وأن عمرها سنوات طويلة، وأنها ليست وليدة رئاسة ترامب للبيت الأبيض. ويبدو أن الرأي العام العربي كان غافلًا عما يجري خلف الكواليس، أو ربما كان يتغافل عما يشعر به أو يعلمه.
الآن لم تعد الأنظمة الخليجية على وجه الخصوص تتحرج من الأخبار التي تحكي عن علاقاتها التجارية والدبلوماسية الحميمة مع (إسرائيل)، بل وصل الأمر إلى أن تعلن دول عربية تأييدها لـ(ابن دانون) ممثل (إسرائيل) في الأمم المتحدة ليكون عضوًا في لجنة حقوق الإنسان في المنظمة الدولية.
لم تعد القضية الفلسطينية عائقاً أمام دولة الاحتلال لكي تتواجد في العواصم العربية، ولم تعد الأراضي العربية المحتلة عائقاً، بعد أن أسقط النظام العربي لاءات الخرطوم، وربما ندم على السنوات التي تمسك بها بهذه اللاءات. لم تعد دولة الاحتلال عدوًا وخطرًا على جلّ الأنظمة العربية، حتى تلك التي لا تقيم علاقات دبلوماسية معها؟! العدو الآن ينحصر في إيران، وفي الحركات الإسلامية ذات التوجهات السياسية؟!
إنه حين تتكشف الأسرار، سندرك أن العلاقات الخليجية الحميمية مع (إسرائيل) كانت قبل وجود ترامب في البيت الأبيض، وكانت قبل التهديدات التي تمثلها إيران، وقبل ثورات الربيع العربي التي قادتها التيارات الإسلامية والوطنية، وإن هذه الأمور اتخذتها الأنظمة شماعة فقط للإعلان عن تقاربها الحميم مع (إسرائيل)؟!
حين اغتال الموساد الإسرائيلي محمود المبحوح على أرض الإمارات حسبنا أن الدنيا ستقوم ولا تقعد، لأن (إسرائيل) انتهكت حرمة دولة الإمارات، وعرّضت مصالحها الأمنية للخطر، ولكن تبين لاحقاً أن حساباتنا كانت ساذجة وخاطئة، حيث لم يحدث شيء فيه إضرار بالعلاقات بين البلدين؟!
وحين نجحت ثورات الربيع العربي في تونس ومصر وليبيا حسبنا أن (إسرائيل) هي الدولة الوحيدة في المنطقة التي تعادي هذه الثورات وتعمل لإجهاضها، غير أننا اكتشفنا لاحقاً أن دولًا عربية غنية هي أشد عداء لهذه الثورات، وهي الأكثر تأييدًا للثورات المضادة والاستبدادية.