دانت مؤسسات وشخصيات حقوقية قرار السلطة الفلسطينية بمنع التظاهرات والمسيرات في الضفة الغربية بذريعة الأعياد، معتبرةً أنه تعدٍ لسيادة القانون ومخالف لنصوص قانون الحق بالتظاهر السلمي.
وأصدر مستشار الرئيس محمود عباس لشؤون المحافظات صباح اليوم، قراراً بمنع منح تصاريح لتنظيم أي تظاهرات ومسيرات لإقامة تجمعات من شأنها تعطيل حركة المواطنين وإرباكها، والتأثير على سير الحياة الطبيعية خلال فترة الأعياد.
ويأتي هذا التعميم في وقت أطلق مجموعة من النشطاء والصحفيين والفنانين دعوة لتصعيد الحراك الاحتجاجي في محافظتي رام الله ونابلس رفضًا لإجراءات السلطة العقابية على قطاع غزة المحاصر.
وفرض الرئيس عباس جملة من العقوبات على قطاع غزة بأبريل 2017 بدعوى إجبار حركة حماس على حل اللجنة الإدارية التي شكلتها في غزة، شملت خصم نحو 30% لـ50% من الرواتب، وتقليص إمداد الكهرباء والتحويلات الطبية.
ورغم حل "حماس" اللجنة الإدارية بعد حوارات القاهرة في سبتمبر من نفس العام، إلا أن العقوبات تواصلت وزادت في إبريل الماضي ليصل الخصم من رواتب الموظفين إلى نحو 50%.
دعوة قضائية
وتقدم رئيس وحدة المناصرة المحلية والإقليمية في مؤسسة الحق عصام عابدين، اليوم، ببلاغ جزائي للنائب العام تحت عنوان "تعميم مستشار الرئيس لشؤون المحافظات بمنع المسيرات السلمية جريمة دستورية" لاعتباره يشكل انتهاكاً صارخاً للحق في التجمع السلمي.
وقال عابدين في صفحته في موقع "فيسبوك" اليوم: "إن الحق في التجمع السلمي هو حقٌ أساسيٌ من حقوق الإنسان مؤكد عليه في المادة (26) من القانون الأساسي الفلسطيني المعدل والمادة (21) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي انضمت إليه دولة فلسطين بدون تحفظات ومؤكد عليه أيضاً في نصوص قانون الاجتماعات العامة الفلسطيني رقم (12) لسنة 1998".
وأوضح، أنّ التعميم المذكور، الذي انتهك الحق في التجمع السلمي المكفول في الاتفاقيات الدولية والتشريعات الفلسطينية يشكل "جريمة دستورية" موصوفة في المادة (32) من القانون الأساسي الفلسطيني المعدل لا تسقط الدعوى الجنائية ولا المدنية الناشئة عنها بالتقادم، وتستوجب ملاحقة مرتكبها بقوة القانون الأساسي.
وتابع أنّ مَن يصدر أمراً للعناصر باختراق مسيرة سلمية وإطلاق هتافات ترمي لاستفزاز المتظاهرين سلمياً وعرقلة المسيرة السلمية وحرمان المواطنين من ممارسة حقهم في التجمع السلمي يعد شريكاً في تلك الجريمة الدستورية وفقاً لقواعد الاشتراك الجُرمي الواردة في قانون العقوبات رقم (16) لسنة 1960 النافذ في الضفة الغربية.
يؤسس لسابقة خطيرة
إلى ذلك، دان المركز الفلسطيني لحقوق الأنسان التعميم واعتبره تعدٍ على سيادة القانون، ويؤسس لسابقة خطيرة تقوض حرية التجمع السلمي والتي تكاد أن تكون معدومة في الضفة الغربية وقطاع غزة.
و أضاف المركز في بيان له اليوم، أن التعميم تعامل مع الحق في التجمع السلمي كمنحة من السلطة العامة حيث جاء فيه "يمنع منح تصاريح لتنظيم مسيرات أو لإقامة تجمعات"، وهو ما يخالف قانون الاجتماعات العامة رقم (12) لسنة 1998، والذي أكد في المادة (3) على أن اقامة التجمعات السلمية يكون بإشعار للجهة المختصة، وليس بتصريح يمنح من قبل السلطات العامة.
ودان المركز هذا التعميم غير القانوني، وطالب بإلغائه فوراً، لما يمثله من تعدي على سيادة القانون والحق في التجمع السلمي.
كما طالب السلطات المختصة في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة باحترام حق المواطنين في التجمع السلمي، والتوقف عن اشتراط الحصول على تصريح لممارسته.
مخالف للقانون
من جهته، أكد الخبير الحقوقي أحمد نصرة أن معارضة المؤسسة الرسمية المتمثلة بالسلطة والحكومة لرأي الشارع الفلسطيني أو لهذه المسيرات أو لغيرها، لا يعطيها الحق أو يمنحها صلاحية في التعدي على حق التظاهر السلمي والتعبير عن الرأي المكفول في كل القوانين.
وقال في حديث لوكالة "صفا": "ما فهمته وما هو واضح في قرار السلطة الفلسطينية، هو أن رأي الناس التي خرجت في الشارع لتتضامن مع أهالي قطاع غزة ولتعبر عن قضية إنسانية بحتة، غير صحيح بالنسبة لها".
وبالتالي-يكمل نصرة- فإن الحكومة والسلطة تريد من هذا التعميم الغير قانوني منع التعبير عن هذا الرأي، رغم أنها تدرك جيدًا أن حق التجمع السلمي يعتبر من الحقوق الأساسية التي كفلها القانون الفلسطيني بحد ذاته.
الناشط الحقوقي ومدير مركز "مسارات" لأبحاث السياسات والدراسات الاستراتيجية صلاح عبد العاطي، تهّكم من مبرر السلطة الفلسطينية في تعميمها.
وقال: "إن الأولى بمن يراعي حرمة العيد أن يعطي الموظف حقه في راتبه وألا يحرم أبناء عشرات آلاف الموظفين من فرحتهم بالعيد باحتجاز رواتب أباءهم".
ومن وجهة نظر عبد العاطي، فإن مبررات السلطة جاءت لإفشال الحراك بعد أن فشلت محاولات سابقة لإفشاله سابقًا، وهو يخشى أن يتم محاولة إفشاله سواء بالاعتداء على التجمع بالقوة أو زرع عناصر شرطة بلباس مدني أو أساليب أخرى جميعها تنتهك حقوق التظاهر السلمي وحق الاجتماعات العامة المكفول.
وكما يقول عبد العاطي: "إنه لا يجوز وفق القانون أن يتم منع التجمع السلمي في حالة الطوارئ فما بالكم بالأيام العادية أو في الأعياد، هذا جانب، ومن جانب أخر فإن مستشار الرئيس لشؤن المحافظات الذي أصدر التعميم هو أصلًا لا يملك الصفة أو الصلاحية لمنع التجمع السلمي".
ويعتبر عبد العاطي أن هذه الممارسات تشكل مساساً بسيادة القانون والحريات لما تنطوي عليه من مساس بأحكام القانون الأساسي الفلسطيني وقانون الاجتماعات العامة رقم (12) لسنة 1998، وتقييد للحريات العامة.
ومن الناحية الحقوقية، فإن قانون الاجتماعات العامة يوفر حماية خاصة وتدابير تضمن حق المواطنين في تنظيم الاجتماعات العامة دون اشتراط الحصول على ترخيص مسبق.
ويخشى الحقوقي في أن يكون التعميم ضمن مخطط لإفشال التظاهرات السلمية المنوي تنظيمها في الأيام المقبلة في عدد من مدن الضفة الغربية، لتعبير عن رفضها لاستمرار فرض العقوبات الجماعية على سكان قطاع غزة.

