ولد الراحل الإعلامي وائل أبو هلال بعيدا عن وطنه وبلدته الأصلية عقربا وحرم من زيارتها، لكنه لم يحرم فلسطين منه، وكان يردد أنه طالما الأرض محتلة يجب أن نعيش المقاومة ثقافة وأدوات وروح الثورة، آمن بأن الشعب مصدر الحريات ورائدها وأن على العالم إدراك ما يريده الشعب الفلسطيني.
تمسك أبو هلال بالثوابت وحلم بقيادة وطنية جامعة، وكان يرى أن ممثل الشعب بحاجة لإصلاح، وكان يرى القدس منارة الحرية وأن الدماء ترخص لها، كيف لا وهو من يقول "لأن القدس غالية لا يضرها لا قرار ترامب ولا ألف قرار غيره"، أمن بتضحيات الشعب وأن الراية لن تسقط وتسلم من جيل لجيل، وأن الإعلام سلاح الحقيقة.
ربط الجيل بأرضه
في حياته الأسرية ربى ابنائه على القيم والمفاهيم الدينية وغرس فيهم حب الانتماء لأرضهم وبلادهم، لا تنسى ابنته الصحفية ميساء التي تحدثت خلال برنامج "السنديانة" على فضائية القدس أول من أمس، مقولة والدها لها منذ طفولتها "ما كان الرفق في شيء إلا زانه، وما نُزع من شيء إلا شانه".
عرفته اسرته بحنانه الاستثنائي، فتقول الابنة ميساء وفي صوتها رجة الحنين إلى والدها الذي فقدته "رغم أننا ست بنات وولد لكنه لم يفرق بينا، وكان يعطي لكل واحد فينا حقه وكأنه هو ابنه الوحيد".
الساعة الواحدة فجرا ليلة الخميس خلال سفره الأخير إلى لندن قبل تعرضه لنزيف دماغي أدى لوفاته، اتصل بابنته ميساء قائلاً "انت قريبة من فئة الشباب كيف وضعهم" كان كلامه بحرقة، ويتساءل وابنته تنصت باستغراب "هل الشباب يدركون أن هناك أمة، هل هم قلقون على القضية، ماذا يمكن أن نعمل للشباب لخدمتهم؟".
جمل كثيرة قالها الراحل أبو هلال، دونتها ابنته ميساء، وهي تعد مشروعاً لتلخيص حديث والدها مع أسرته واصدقائه وتدوينه في كتاب، وتقول: "كان أبي لا يفرض شيئا علينا، رغم أن هناك فصل بين العمل والبيت لدى الكثير من الآباء، إلى أن أبي كان يشركنا قضايا العمل، ويحرص على مشاركتنا في أشيائنا الخاصة، يحضر فعاليتنا وأنشطتنا، يحرص على الاهتمام بتفاصيلنا ويشاركنا بتفاصيله".
ربط أبو هلال أبنائه بفلسطين، والكلام لابنته، بشكل عجيب، فلم يترك أي مكان يطل على فلسطين إلا وأخذهم عليه، كان آخر الزيارات الصيف الماضي إذ اصطحبهم إلى الأردن ليشاهدوا غور الأردن، وكذلك إلى أقرب نقطة في جنوب لبنان، "لم يدخر جهدا بربطنا بفلسطين جغرافيا وفكريا واجتماعيا وكان يتواصل مع من ظل من أقربائنا بفلسطين" كما قالت.
أدوار مختلفة
سرد الحكاية يبدأ من روابط الصداقة التي جمعت أبو هلال بمحسن صالح (مدير عام مركز الزيتونة للدراسات)، يقول صالح عن تلك اللحظة: "كنت محاضرا بالجامعة الإسلامية العلمية بماليزيا، تعرفت عليه خلال زيارته للجامعة، خلال خمس دقائق من حديثنا معا بدأت الصداقة، ودخل إلى قلبي، وعرفته حر التفكير، كثيرا ما يدخل في نقاشات مع الآخرين لكنه يحرص على ادارة الاختلاف بطريقة حضارية، يستوعب الآخر".
لا يخفي صديقه أن وفاة أبو هلال كان صادماً له، كونه في كامل صحته ويعيش بينهم، "احتجنا وقتا لاستيعاب أنه توفي، فوائل كونه صديق عزيز وناشط في العمل الخيري والوطني والإسلامي خسارة كبيرة، في أدواره المختلفة وأنشطته التي كان يشارك فيها في العمل الشعبي لفلسطينيي الخارج".
عرف عنه صالح، أنه يركز على قيم الحرية والعزة والكرامة، وكل ما يرتبط بأخلاق الفروسية وعزة الانسان وكرامته.
ومن الأشياء الجميلة، أن أبو هلال قام بإعداد عدة مقابلات مع رئيس الحركة الإسلامية في الأراضي المحتلة عام 1948 الشيخ رائد صلاح عن تجربة الحركة خلال تواجد الشيخ بلندن، يشير صالح إلى أن صديقه ناقشه أنه يريد نشر تجربة الشيخ صلاح في كتاب، وجرى ترتيب وإعداد المقابلات وطباعته قبل ثلاثة أشهر من وفاة الراحل.
وتوفي الراحل أبو هلال جراء إصابته بنزيف حاد في الدماغ، يوم 24 نيسان/ إبريل 2018. وأبو هلال عضو في الأمانة العامة لمؤتمر الشعبي لفلسطينيي الخارج، وعمل مديرًا عاما لقناة القدس الفضائية، ومديرًا مؤسسًا لمركز طموح للدراسات والاستشارات والتدريب.
ويعرف عنه أن له إسهامات كبيرة بدعم القضية الفلسطينية والنضال الوطني على مستوى إصداراته وأبحاثه ومقالاته الدورية في الصحف العربية والدولية، وكان آخرها كتاب "حوارات في تاريخ الحركة الإسلامية".
ويعتبر مقال "الفلسطينيّ ولعنة الوثيقة" من أشهر المقالات التي كتبها أبو هلال حديثًا، فقال بمطلعه "هذا الفلسطيني المُعذّب في الأرض، في البحار، في قوارب الموت، في المطارات، في الطائرات، على الحدود، في القطارات، في السيارات، مشيا على الأقدام على الحواجز، على المعابر – كل المعابر – أيّا كانت جنسيّتها وهويتها".
ويعرف عن أبو هلال دعمه وإشادته لمسيرة العودة وكسر الحصار التي انطلقت في قطاع غزة نهاية مارس الماضي، إذ كتب قائلًا "الأمل معقود على شعبنا كما عودنا أن يقود هذه الذكرى بفعالياتها ومفرداتها ومعانيها وروحها وألَقها بروحٍ غير تقليدية تتناسب وإبدا الصمود، وأن نري عدونا منا شيئاً مختلفاً هذه المرة، فنفاجأه كما هي عادة شعبنا الذي ما فتيء يجترح البطولات والمعجزات".