يتجند الاحتلال الإسرائيلي بمكوناته كافة، من أحزاب وحكومة وقادة الجيش والمستوطنين، والمثقفين لمواجهة مسيرات العودة، فمنهم من يدعو لمواجهتها بالقوة والعنف ومزيد من الدماء، ومنهم من يطالب بالتعاطي معها للخروج من الأزمة الحالية وإنقاذ الاحتلال، في كلتا الحالتين يجمع الإسرائيليون على خطورة مسيرات العودة عليهم وتأثيرها المباشر أو ما يسمونه الكابوس المزعج الذي تمثله لهم غزة.
هذه الأزمة تدعوهم للبحث عن مخرج لها لكن دون أن يدفع الثمن، ولا يريد أن يسجل أنه خضع للفلسطينيين، ولست في سياق تسجيل ما يقوله الإسرائيليون عمّا يحدث على حدود غزة بدءًا من وزير الأمن الداخلي الذي يدعو إلى اغتيال مطلقي الطائرات الورقية، وقد نفذ الجيش جزءا من هذا التهديد بتحذير إحدى المجموعات من المتظاهرين شمال قطاع غزة، وبين من يدعو لحل إنساني للأزمة الحالية، وهذا أيضاً هروب إسرائيلي لكن من نافذه أخرى، وفي كلتا الحالتين هو يريد حلا لغزة لكن دون أن يستسلم للمطالب الفلسطينية.
يطرح البعض تساؤلات حول مصير مسيرات العودة، الإجابة هنا يمكن أن تحصل عليها من المتظاهرين السلميين على حدود غزة، ولست مع الدخول في نقاشها على الأقل في هذه المرحلة، وفي ظل إقرار الاحتلال بالفشل، لكن أقف مع تعزيز الأدوات والأساليب المستخدمة وتقنين وتنظيم استخدامها لإدامة مسيرات العودة، وتعزيز الخدمة والرعاية المقدمة لعائلات الشهداء والجرحى.
الاحتلال يمارس القتل والإرهاب ومصادرة الأراضي في الضفة الغربية، ويعيش الفلسطيني هناك حياة الذل والهوان تحت حكم الاحتلال وممارسات الأجهزة الأمنية بسبب التنسيق الأمني، ومع ذلك لم يسلم من القتل والاعتقال والمطاردة، ويقاومونه بما استطاعوا من الدهس والطعن وأدناها الحجارة، وهي جزء من محطات النضال الفلسطيني تُوائم الضفة في هذه المرحلة، والتي سبق أن استخدمت العمليات الاستشهادية، ولو تمكنت من ذلك لن يتردد الشباب بذلك.
تقوم فكرة مسيرات العودة على الحراك الشعبي الجماهيري وتؤثر فيه الفصائل كما هو الحال في انتفاضة الحجارة عام 1987، واعتمدت على النفس الطويل وهو ما يقارب 7 سنوات، والحديث هنا يطول عن أساليبها وتضحياتها وإنجازاتها لكن اعتمدت على النفس الطويل، وهو ما يمكن أن تحققه الجماهير فقط، وهو ما يفتقده الاحتلال الذي هرب من غزة عام 1994، لكن وجد من ينجده من ورطته، وألقى له بطوق النجاة، وهو ما تكرر بانتفاضة الأقصى وللأسف وجد من يلقي له طوق النجاة مجددًا عام 2005.
الموقف يتكرر مع مسيرات العودة لكن بشكل مختلف، ويبحث الاحتلال عمن ينقذه ويلقي له بطوق النجاة دون أن يدفع الثمن، لذلك يخوض معركة عض الأصابع مع المقاومة بمحاولة جرها لمواجهة عسكرية، مع كل إنجاز تحققه مسيرات العودة، أو قيامه بطرح مبادرات من هنا وهناك تحت مسميات مختلفة تارة إنسانية وأخرى مساعدات، وغيرها.
نحن بحاجة إلى أن نتجند لمواجهة الاحتلال وتعزيز كل وسيلة وأداة وفكرة وتطويرها لمواجهته وتدفيعه الثمن، ونحن أحق بذلك، كي نحافظ على دماء الشهداء ومسيرة العودة للوصول لمحطتها النهائية ضمن سلسلة من محطات النضال الفلسطيني الطويل، ومن يفوز هو صاحب النفس الطويل ومن يصرخ أخيرًا.