قائمة الموقع

"الفصيح".. شهادة أطفأت 26 عامًا من نار الشوق لوالدته

2018-06-10T11:15:47+03:00

غزة - وكالات

لم يغِبْ مشهد الزفاف يومًا عن خاطر الشاب يوسف الفصيح؛ إذ كان يتوق دومًا أن يُحمل على أكتاف رفاقه مزدانًا بالورود، لكنه لم يكن يقصد زفافه إلى عروس، بل "الشهادة"، التي توقع أن ينالها قبل أيام من رحيله.

بمجرد أن ارتقت روح يوسف (29 عامًا) يوم الجمعة برصاص قناص إسرائيلي شرق مدينة غزة شبّت نار الشوق في قلب أسرته، لكن نار شوقه لوالدته التي فارقته مذ كان عمره ثلاث سنوات آن لها أن تنطفئ.

تركت وفاة والدة "الطفل يوسف" أثرًا بالغًا في نفسه، وكان- رغم أنه لم يُدرك والدته جيدًا- شديد التعلق بها وذكرها، وتربى بين إخوته من أبيه في مخيم الشاطئ غربي مدينة غزة.

كان صيت بساطته ومبادرته لمساعدة الناس ذائعًا في المخيم حيث يسكن، وكانت أخلاقه وعُباداته تقرب الناس إليه، حتى أن بعضهم كان يقول إنه عاش بقلب أمه الحنون من كثرة شوقه للقائها.

ارتقى يوسف وثلاثة آخرون أمس الأول الجمعة بقمع قوات الاحتلال الجمعة الـ11 من مسيرات العودة شرقي القطاع، والتي كانت باسم "مليونية القدس"، وأصيب 618 آخرون بجراح مختلفة.

"تجهيزات الجمعة"

عُرف يوسف بين أهله وأصدقائه بحديثه المتكرر عن الاستشهاد، ولاسيما بعد انطلاق "مسيرات العودة" في 30 مارس/ أذار الماضي، وكان يوم الجمعة مميزًا بالنسبة له.

في مساء كل خميس، كان يوسف يجهز "مقلاعه" و"شُديدته" وكوفيته، ويضعهما إلى جانب سريره، حتى إذا أصبح الجمعة، أخذ أغراضه واتجه نحو مخيمات العودة.

اتفق أشقاء يوسف على مساعدته في الزواج؛ إذ كان على مشارف الثلاثين عامًا، وتقف الأوضاع الحياتية المتردية حجر عثرة على طريق زواجه، لكنه كان يقول دائمًا: "لا أريد الزواج في الدينا.. أريد حور العين"، كما يقول شقيقه خليل (39 عامًا)، الذي كان عائدًا للتو من مواراة يوسف الثرى.

لم يُكن حب يوسف للشهادة بدعًا من عائلته وأقاربه، بل سبقه خاله عاهد الهابد، الذي استشهد في انتفاضة الأقصى عام 2000 أثناء تصديقه لجنود الاحتلال شرقي مدينة غزة.

ويضيف شقيق الشهيد لوكالة "صفا"، "لو قتل الاحتلال مائة يوسف، فسيبقى نضال شعبنا مستمرًا حتى تحرير أرضنا، وكسر الحصار الظالم".

فخر بالشهادة

وتتوسط صباح الفصيح عمة الشهيد نسوة قدمن لتقديم واجب العزاء في بيته، وأثناء علو صوت البكاء في الغرفة، قالت لمراسل "صفا" وهي تجفف دموعها، إن يُوسُف زارها قبل يومين في منزلها، وحدّثها عن شوقه لوالدته.

وتتذكر العمة حرص الشهيد على المشاركة بشكل شبه يومي في مخيم العودة شرقي مدينة غزة، فهو كان يعقد العزم على العودة إلى الأراضي المحتلة، وفك الحصار عن القطاع.

وتقول أثناء إطلاق إحدى النسوة "زغرودة" في بيت العزاء: "من الفخر والعزة أن يختار الله ابننا شهيدًا؛ فالشهادة وسام شرف نعتز به، ويوسف سعى لها دومًا، وحقق الله أمنيته بلقاء والدته".

وتضيف "مسيرة العودة سلمية؛ والمشاركون فيها بلا أي سلاح، باستثناء الحق والإيمان. هل يواجَه شعبنا المُصر على حقّه بالعودة وكسر الحصار بهذه العنجهية الإسرائيلية، والقتل بدم بارد؟".

وتطلب عمة الشهيد من الأمتين العربية والإسلامية الضغط على الاحتلال الإسرائيلي لرفع الحصار عن غزة، ونصرة المسجد الأقصى لأنه ليس للفلسطينيين وحدهم.

وشيّعت جماهير غفيرة أمس السبت جثامين أربعة شهداء ارتقوا بـ"مليونية القدس" يوم الجمعة الماضي بعد قمع قوات الاحتلال فعاليات مسيرة العودة الكبرى على الحدود الشرقية للقطاع.

والشهداء هم: زياد جادالله عبد القادر البريم (25 عامًا)، والطفل هيثم محمد خليل الجمل (١٥ عامًا) استشهدوا شرقي خانيونس، وعماد نبيل أبو درابي (26 عامًا) شرقي جباليا، ويوسف الفصيح (29 عامًا) شرقي غزة.

وانطلقت جنازات الشهداء بعد صلاة الظهر، وصولًا إلى مقابر الشهداء كلًا في منطقته.

وتخلل مواكب التشييع هتافات للشهداء، وأخرى داعيةً للانتقام لدمائهم، واستمرار المسيرات السلمية على الحدود.

اخبار ذات صلة