تلفت انتباهنا المقارنة بين صور الصائمين في شهر رمضان المبارك وقد اعتراهم الكسل والتعب والجوع، وصورة الصائمين في معركة بدرٍ الكبرى، يوم أن انتصرت الفئة القليلة على الفئة الكثيرة.
قد يقول قائل: "لا تقارنونا بجيل الصحابة"، حسنًا لن نفعل ذلك، لكن انتصارات المسلمين العسكرية لم تكن فقط في ذلك الجيل، فمن بلاط الشهداء 114هـ، إلى عين جالوت 658هـ، إلى معركة العاشر من رمضان (أكتوبر 1973م)، وهؤلاء لم يكونوا صحابةً، ولم يكن النبي (صلى الله عليه وسلم) بين ظهرانيهم، لكنهم انتصروا، فأين الخلل؟
إن رمضان أولًا فرصة لأن نجاهد، لا أقصد هنا جهاد الدم؛ فهناك جهاد يأتي قبله، ويكون أشبه بمساق إجباري لخوض أي جهاد ثانٍ، وهو جهاد النفس، وكثيرون في رمضان لا يكون هذا الجهاد في جدول أعمالهم الرمضاني، بل لا يَعُدّون أن الصيام هو الفرصة الحقيقية لأن يتغلبوا على ما يعتري حياتهم من سقطات وزلات وأخطاء؛ فتراهم نُوّمًا كُسّلًا يرجون انتهاء صيام اليوم، وانتهاء الشهر.
إن تحقيق المسلمين انتصارات كبيرة في شهر رمضان المبارك مرتبط بشيء واحد ومهم، هو أن الصيام أحدث مفعوله السحري في نفوسهم، واستطاعوا به أن ينتصروا على مثالب حياتهم، وأن يرمم كلٌّ منهم بيته الداخلي ليعود بأبهى صوره، فالله لا يغير ما بقومٍ حتى يغيروا ما بأنفسهم، وقد فعل من انتصر ذلك ونجح.
إذن، الأمر لا يحتاج أن تكون صحابيًّا لتنتصر في رمضان، ولا يحتاج أن تكون ذا جلدٍ لتواجه ساعات الصيام بنشاط وقوة وعطاء، بل يحتاج إلى أن تتيح المجال لرمضان بأن يغير حياتك إلى الأفضل، وأن يقويك من الداخل لتواجه كل تحديات المحيط، لتحقق بذلك أهم وأول انتصار في شهر الانتصارات.