فلسطين أون لاين

​شبح "الإعاقة المزمنة" يلاحق جرحى مسيرات "العودة" بغزة

...
غزة - الأناضول

يلاحق شبح الإعاقات المزمنة أو المستديمة، الجرحى الفلسطينيين الذين أصيبوا برصاص جيش الاحتلال الإسرائيلي خلال قمعه للمشاركين في مسيرة "العودة وكسر الحصار" المتواصلة على حدود قطاع غزة منذ أكثر من شهرين.

ويمكث عشرات من هؤلاء الجرحى، داخل غرف "مجمع الشفاء الطبي" بمدينة غزة، منتظرين مستقبلاً مؤلماً؛ بعد أن خضع الواحد منهم لأكثر من 3 عمليات جراحية وينتظر إجراء المزيد.

فمن نجا من بتر أحد أطرافه بسبب خطورة إصابته آنذاك، فإنه حتماً، وفق شهادات طبيّة، لن ينجوَ من الإعاقة المزمنة نتيجة الإصابة البالغة وأثرها الدائم.

ويحتاج الجرحى عند تماثلهم "الجزئي" للشفاء، إلى متابعات طبيّة دائمة، وقد يحتاج بعضهم إلى إجراء عمليات جديدة في المستقبل، كما أن الجزء المُصاب من الجسم لن يعود كما كان سابقاً، حيث يتأثر ذلك الجزء بدرجة كبيرة بشظايا رصاص الاحتلال المتفجّر.

فيما يتهدد بعضهم الإصابة بالشلل، أو قرار طبي ببتر أحد أطرافه، بعد استنفاد كافة المحاولات الطبية لإنقاذه، بسبب التهتك الشديد الذي أصاب الأنسجة فضلاً عن تفتت العظام.

وبحسب وزارة الصحة الفلسطينية، فإن نحو 4453 إصابة برصاص قناصة الاحتلال، من أصل أكثر من 13 ألف شخص أصيبوا خلال مسيرات "العودة"، كانت في الأطراف السفلية.

وتعرض نحو 32 مصاباً لحالات بتر في أطرافهم، فيما يعاني حوالي 330 شخصاً من إصابات "خطيرة" بحاجة إلى تدخلات طبية عاجلة، بحسب الوزارة.

مصير مجهول

خضع الشاب الفلسطيني أحمد هنية (26 عاماً)، المصاب برصاصة "متفجّرة" في فخذه الأيمن (إصابة لها مدخل ومخرج)، للعملية الخامسة على التوالي.

ويقول : "إنه تعرض لقطع في الوريد بالقدم، ما تسبب بفقدانه لكميات كبيرة من الدم".

ويتعرض هنية، الذي أصيب يوم 14 مايو/ أيار الماضي، خلال مشاركته بمسيرة "العودة" شرقي مدينة غزة، لمضاعفات صحية، من أخطرها فقدانه لكميات كبيرة من الدم؛ حيث يتم تزويده بوحدتيْن منه بشكل يومي.

فيما يشعر، وهو يستلقي على سريره داخل مستشفى الشفاء، بآلام كبيرة تنخز قدمه اليُمنى.

ومقابل سريره، يجلس شقيقه محمد (45 عاماً)، وقد أُصيب هو الآخر في ذات اليوم، برصاصة إسرائيلية في ساقه.

وأما المصاب ماهر حرارة (48 عاماً)، فقد أصيب برصاص إسرائيلي متفجر في ساقه اليُسرى، تسبب بإحداث 4 كسور في العظم وتهتك في الأنسجة.

وخضع "حرارة" لثلاث عمليات جراحية معقدة من أجل إنقاذ ساقه، فيما ينتظر إجراء عملية أخرى لأصابع قدمه، حيث لا يمكنه التحكم بها.

تخوفات طبية

وتطلبت نحو 99% من الإصابات التي وصلت مجمع الشفاء الطبي، إلى مراجعة أطباء متخصصين بجراحة الأوعية الدموية، كما يقول تيسير الطنّة، طبيب جراحة الأوعية الدموية.

وقال "الطنّة" ، إنه "منذ بدء مسيرات العودة، وصل مستشفى الشفاء إصابات بأعداد كبيرة جداً لها علاقة بجراحة الأوعية الدموية".

ويتابع: "الإصابات التي وصلت كانت خطيرة جداً، حيث تفاجأنا ولأول مرة باستخدام رصاص متفجر، ووجدنا الكثير من الشظايا داخل الجروح".

ويشير إلى أن ذلك الأمر يدلل على أن "الرصاص الذي استخدمه جيش الاحتلال إما مستحدث، أو هو نوع جديد في عالم السلاح".

ويذكر الطبيب الفلسطيني أن الغالبية العظمى من الإصابات كانت في الأطراف السفلية، وبالذات في منطقة الركبة وما أسفل منها.

ويوضح أن إصابة منطقة الركبة "صعبة جداً خاصة أنها تتسبب بتفتت للعضلات وتهتك للأوعية الدموية (الشرايين والأوردة)، وقطع للأعصاب الطرفية المغذية للأطراف السفلية، وتهشم في العظام التي تحمي الأطراف".

وتسبب طبيعة تلك الإصابة مضاعفات صحية صعبة جداً للجريح مثل "ضعف التروية الدموية للطرف ما يتسبب بآلام شديدة له في القدم وقد تحتاج عمليات مستقبلية، وضعف العضلات، وقطع للأعصاب والتي تفقد الجريح الاحساس بقدمه؛ ما يضع المصاب في حالة إعاقة مزمنة".

ويبيّن الطبيب أن تلك الإصابة إن لم تسبب بتراً للطرف فقد تؤدي إلى "قطع الأعصاب أو ضعف في الأوعية الدموية"، ما يعني التسبب بـ"إعاقة مستديمة للمصاب".

وداخل غرف العمليات الجراحية، يتواجد طاقميْن طبييْن للتعامل مع الجريح الواحد المصاب في أطرافه السفلية، الأول طاقم جراحة أوعية دموية لوقف النزيف وتوصيل الدم إلى الطرف، والآخر طاقم العظام لتثبيت العظام المتهتّكة أو المكسورة.

فيما يحتاج الجريح لإجراء عمليات أخرى في وقت لاحق، منها جراحة التجميل.

تعمّد القنص

أشرف القدرة، المتحدث باسم وزارة الصحة الفلسطينية بغزة، يؤكد أن قناص الاحتلال يتعمّد إطلاق نيران أسلحته "المتفجّرة" لإصابة المناطق الخلفية حول منطقة "الركبة"، من الأطراف السفلية للمتظاهرين، أو استهداف "مفصل الركبة" بشكل مباشر.

ويرجع "القدرة" السبب وراء استهداف تلك المنطقة، إلى كونها "منطقة التجمع العصبي" للأطراف السفلية، وإصابتها كفيلة بإعاقة الحركة بشكل تام للمصاب.

ويذكر أن أعداد كبيرة من المصابين وصلت مستشفيات قطاع غزة لإصابات تمحورت حول "مفصل الركبة".

وتسبب ذلك الاستهداف المتعمّد والمباشر، وفق القدرة، للإصابات معقّدة للغاية، احتاجت لتدخل طبي جراحي من "أطباء الأوعية الدموية، والعظام، والأعصاب" في آن واحد.

وأشار القدرة إلى أن "مئات العمليات تم إجرائها من أجل تجنيب الجرحى خطر البتر".

فيما ينتظر مئات منهم تدخلات علاجية عاجلة، سواء داخل قطاع غزة أو خارجه؛ في ظل الاستنزاف الحاد للأدوية والمستلزمات الطبية والذي أحدثه العدد الكبير من الجرحى خلال فترة زمنية قصيرة.

ويؤكد القدرة على أن "سياسة جيش الاحتلال التي اتبعها بحق المتظاهرين اعتمدت على القنص المباشر، بهدف القتل أو إحداث إعاقة، أو شلل".

ويحذّر من ارتفاع أعداد الجرحى الذين تعرّضوا لبتر أطرافهم السفلية، بسبب خطورة الإصابة.

ويقول إن عملية "بتر الأطراف السفلية للمصابين تتم بعد خضوع المصاب لعدة عمليات لتجنبيه ذلك الخيار (البتر)".

ويضيف: "كما يعتمد ذلك على درجة قطع الأوعية الدموية، فإن تم إصلاحها وعاد الدم بالتدفق للجزء السفلي من القدم، يكون المصاب قد تعدّى مرحلة الخطر ولا يتعرض للبتر، لكن إذا لم يتم إصلاحه فالتوجه يكون نحو البتر".

وأما فيما يتعلق بالشلل، فإن الإعلان عن أي حالة شلل تتم بعد مرور نحو 6 أشهر على الإصابة، واستنفاد المحاولات الطبية لإنقاذ المصاب.

وناشد "القدرة" المجتمع الدولي بفتح تحقيقات واضحة في سياسة "القوة المميتة" التي اتبعها جيش الاحتلال بحق المتظاهرين الفلسطينيين.

كما طالب بضرورة "إيفاد وفود طبية متخصصة بجراحة الأوعية والعظام والأعصاب من أجل مساندة الطواقم الطبية بغزة في إجراء العمليات المعقّدة".