فلسطين أون لاين

​الأمل المتجدد

الأمل سرّ الحياة المطمئنة. لا يوجد شعب مسكون بالأمل مثل الشعب الفلسطيني. أمل العودة إلى فلسطين يعيش مع الأجيال الفلسطينية. الخلف من جيل الشباب أكثر أملا من السلف بالعودة إلى الوطن، إلى الدار والمنزل، والمدينة والقرية، التي احتلها العدو في عام 1948م.

في عام الهزيمة الكبيرة، أو النكسة كما يسميها الإعلام، قال جارنا أبو العبد لزوجه، وكان ذلك قبل الخامس من يونيو حزيران، جهزي يا أم العبد حقيبة ضعي فيها الثمين مما نملك لأننا سنعود بعد أيام إلى اللد.

كان ابو العبد في المقاومة الشعبية، وكان سلاحه نصف آلي مع تسع طلقات، وكنت أنا في السادسة عشرة من العمر، وقد نزلنا مع المقاومة الشعبية إلى شارع صلاح الدين نستقبل الدبابات العربية القادمة من جهة خانيونس باتجاه غزة وهي ترفع أعلام مصر والعراق والجزائر، ولكن فجأة فإذا بإحداها تسحق سيارة مدنية قادمة من غزة بمن فيها من الركاب، وتطلق النار باتجاهات مختلفة، عندها أدركنا أنها دبابات يهودية، وأن قطاع غزة سقط في يد الاحتلال.

في اليوم التالي صباحا وجدنا الشرطة وأفراد المقاومة الشعبية بالملابس المدنية، وبدون أسلحة، فأدركنا أنه لا فائدة، وأن أحمد سعيد كان أكبر مهرج إعلامي في التاريخ، وأن عبد الناصر كان فاشلا وكاذبا فيما يقوله .

ربما تراجع الأمل لفترة تحت وقع الهزيمة، ولكنه عاد فتجدد مع انطلاق المقاومة الفلسطينية المسلحة في الأراضي المحتلة عام 1967م، ومن ثمة خرج الأمل بالعودة والتحرير من تحت الركام، ودفع الشعب ثمنا كبيرا من الجرحى والشهداء والأسرى من أجل الحرية، وجددت الانتفاضة الأمل بالعودة والحرية، حتى كانت أوسلو الكارثة التي تلاعبت بالأمل، ووضعته في قبضة يهود، ومزقت الشعب، وكنا في يومها في سجن النقب، فقال قائد من الأسرى: اتفاق أوسلو سيرجع بالقضية خمسين سنة إلى الوراء، وكان صادقا وبصيرا فيما أحسب.

أضعفت أوسلو والتخاذل العربي الأمل، ولكن لم يقضيا عليه، لأن الأمل تجدد في تجدد المقاومة في انتفاضة الأقصى، وبلغ الأمل ذروته في العودة والتحرير بمسيرات العودة الكبرى، التي حشدت الشعب من كافة الأعمار على الحدود الزائلة طلبا للعودة، ومن عاش مع هذه المسيرات عمليا يجد أن المشاركين فيها مسكونين بالعودة، وهم يحاولون اختراق الحدود رغم القناصة والقتل، لأنهم آمنوا أنه لا بديل عن العودة إلى الوطن.

الأمل بالعودة عند الشعب الفلسطيني بلغ درجة اليقين، وربما عين اليقين، رغم الألم والحصار والتخاذل، لأن إيمان الشعب بهزيمة (إسرائيل ) وزوالها لا يضاهيه إيمان آخر. الأمل الذي يسكن الفلسطينيين الآن بعد إحدى وخمسين سنة من الهزيمة هو أضعاف ما كان من قبل، والناس في فلسطين يحدثونك عن قرب زوال (إسرائيل) خلال بضع سنين.