في ظل حالة الجمود الواضحة على ملف المصالحة الوطنية، واستمرار تعثر هذا الملف، رغم تبنيه من بعض الأطراف العربية والدولية، يبقى موقف موسكو الأخير باستضافة الفلسطينيين في سياق هذا الملف محط تساؤل واستفسار عن الأسباب التي جعلت موسكو تسير في هذا الملف، وإمكانية إحداثها اختراقًـا فيه بعد إخفاق الأطراف الأخرى على مدار الـ10 سنوات الماضية.
وأعلن السفير الفلسطيني في موسكو عبد الحفيظ نوفل، توجيه الأخيرة رسميًا دعوة للفصائل الفلسطينية لإجراء حوار وطني شامل يضع على رأس أولوياته المصالحة الوطنية، على مدار 15 و16 و17 من يناير/ كانون الثاني الجاري.
الخبير في الشؤون الدبلوماسية د. أسعد أبو شرخ، قال: إن اختيار موسكو لتفعيل الملف الوطني الفلسطيني من على "طاولتها"، "اختيار دقيق وحساس"، ويأتي في ظل وقت صعب، وظروف تعصف في منطقة الشرق الأوسط بكاملها.
دور سياسي
وأكد أبو شرخ لصحيفة "فلسطين"، أن موسكو بوضوح وفي ظل دعوتها للفصائل الفلسطينية، تريد أن تلعب دورًا سياسيًا متكاملًا تجاه كل دول منطقة الشرق الأوسط والقضية الفلسطينية، وألا يقتصر دورها السياسي في سوريا.
ولفت إلى وجود رغبة روسية لاستعادة دورها في الشرق الأوسط، سيما تجاه القضية الفلسطينية، والتي تعد قضية مركزية وعالمية، وأن لا تترك هذا الملف الهام منوطا فقط بيد الدول الغربية الأخرى سيما الولايات المتحدة الأمريكية، حيث إن تحقيقها لنجاحات من شأنه أن يجعلها لاعبا دوليا له ثقله وتأثيره.
وحول إمكانية نجاح الدور الروسي بشأن عملية المصالحة الوطنية، شدد أبو شرخ على عدم إمكانية نجاح أي طرف روسي أو غيره، إذا لم يغلف بإرادة سياسية من الفلسطينيين أنفسهم، مضيفا "إذا لم تكن هناك إرادة خاصة من قبل السلطة الفلسطينية وحركة فتح لن يكون هناك تقدم على موضوع إنهاء الانقسام".
ولفت إلى أن "الإرادة الغائبة" عن إحداث شرخ حقيقي في مستوى ملف المصالحة الفلسطينية وانهاء الانقسام أفشل العديد من الرعاية والتبني الدولي لها، في سياق السنوات الماضية، وقد استمر الأمر إلى أيامنا الجارية.
وجرت لقاءات ورعاية وجهود عربية متعددة بما يخص ملف المصالحة، كالتي جرت بداية في العاصمة المصرية القاهرة، ومن ثم المملكة العربية السعودية، وقطر، وتركيا، غير أنها لم تفلح جميعها في الوصول إلى خطوات عملية إيجابية.
آخر تلك الجهود جرت في العاصمة القطرية في حزيران/ يونيو المنصرم، حيث فشلت المباحثات الفلسطينية - الفلسطينية لأجل المصالحة وإنهاء الانقسام الداخلي بين حركتي فتح وحماس، وقد حملت الأخيرة حركة "فتح" المسؤولية الكاملة بعد إصرارها على عدم التجاوب في بعض الملفات التي تم الاتفاق عليها مسبقًا.
موطئ قدم
الخبير السياسي، ومدير عام المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الاستراتيجية- مسارات، هاني المصري، اتفق مع أبو شرخ فيما يتعلق في الأسباب التي دعت موسكو، حيث أكد أن الأخيرة تبحث عن دور لها مؤثر في ما يتعلق في القضية الفلسطينية، كما حدث في الملف السوري.
وقال المصري لصحيفة "فلسطين": إن "العمل على نطاق القضية الفلسطينية ليس الأول من نوعه لموسكو، غير أن الدعوة الأخيرة لها للفلسطينيين في سياق ملف المصالحة، لا يخرج عن كونه رغبة في إيجاد موطئ قدم لها، انطلاقا لوصولها لغايات سياسية تكون عبرها الطرف الدولي الأساسي".
ولفت إلى أن القيادة الروسية عمدت إلى خطوة إجراء لقاء ما بين قيادة الفصائل الفلسطينية، في وقت قريب جدا لعقد مؤتمر باريس للتسوية، حيث موقفها غير المتحمس له، لتقول بصورة أو أخرى أنها حاضرة على مسار القضية الفلسطينية بطريقتها الخاصة.
وبين المصري أن روسيا تريد أن تقول أنها قوة كبيرة، وأنها تعمل في إطار القضية الفلسطينية، وأن تحقيق ذلك عمليا من شأنه أن يؤثر على الأمن والاستقرار ليس فقط في الشرق الأوسط والمنطقة بل في العالم أجمع.
ورجح عدم إمكانية نجاح روسيا في إحداث أي تقدم على مسار الحوار الذي سترعاه بين الفلسطينيين في إحداث تقدم في ملف المصالحة، ما لم يتم توفر إرادة فلسطينية داخلية إلى جانب ضغط حقيقي وهو ما لا تستطيع القيام به، بسبب عدم امتلاكها أدوات وأوراقا كافية للضغط.