"أي جُرمٍ وذنب ارتكبته وهي ترتدي معطفها الطبي الأبيض مسعفة الجرحى والمصابين ليتم إطلاق الرصاص المتفجر عليها مباشرة وقتلها من قبل جنود الاحتلال؟"، بهذه الكلمات افتتحت والدة المسعفة رزان النجار كلماتها معلقة على استشهاد ابنتها في مخيم العودة في "جمعة من غزة إلى حيفا وحدة دم.. مصير مشترك".
ومثَّل خبرُ استشهاد رزان (21 عامًا) صدمة كبيرة وصاعقة غائرة على قلب والدتها صابرين النجار، إذ إن ظنونها الغالبة على مخيلتها أن مهنتها وشارتها المعلقة على معطفها الأبيض بمثابة جدار حماية لا يمكن الاقتراب منها.
وبصوت خافت تقول النجار لصحيفة "فلسطين"، أصيبت رزان نحو 12 مرة متنوعة ما بين استنشاق الغاز المسيل للدموع، والكسور في أثناء عملها بشكل تطوعي في إسعاف الجرحى بمخيم العودة، القريب من منزلها غير أن آخر توقعاتها أن يطلق عليها الرصاص مباشرة.
وتلفت إلى أن "رزان" كانت بمثابة يد حانية على جرحى مسيرة العودة، بشهادة من عرفها، وقد عملت منذ الأيام الأولى لانطلاق المسيرة دون أي مقابل، في رسالة كانت تعدها واجبا وطنيا وإنسانيا ولا يمكن أن يوقفها أحد عنه.
كان يلف ابنتها إصرار "غريب وعجيب" للاستمرار في مهمتها بمخيم العودة كما تشير والدتها، وتحاول طمأنة كل أهلها بعد رجوعها في كل مساء ومعطفها الأبيض ملطخ بدماء الجرحى والمصابين بحديثها "إرادة الله غالبة"، وأنه الله وحده الحامي في أي مكان كان الإنسان بساحة المواجهة أو في بيته.
وتضيف الأم أن رزان كانت تؤمن بوحدة فلسطين وأن الوطن للجميع وترى في كل من يستشهد أو يقع جريحا برصاص الاحتلال في مخيم العودة أبناء شعب واحد، لا فرق بينهم، لا يهمها مطلقا لأي تنظيم ينتمون، ورسالتهم وهدفهم واحد وهو تحقيق حق العودة.
عشرات بل مئات برواية رزان نفسها لوالدتها قامت بإسعافهم في مخيم العودة، شبان وشابات، صغار وكبار، لم تعرف للتعب طريقا رغم جسدها وعمرها الصغير، ولم تحدها أيام الشهر الفضيل رمضان هي الأخرى عن أداء واجبها.
ترفع صابرين النجار معطف المسعفة الشهيدة الطبي الغارق دم مهجة قلبها الذي ثقبته رصاصة إسرائيلية غادرة من الظهر ليبقى شاهداً على جريمة الاحتلال، فيما كانت تحمل باليد الأخرى شاش طبي أبيض، وعيناها تفيض من الدمع تقول بصوت حزين "قتلها المجرمون وهذا هو السلاح الذي كان بيدها".
وتذكر أن حلم ابنتها كان كبيراً بعد الانتهاء من دراستها الجامعية، إذ إنها كانت متفوقة في دراستها ونشيطة بين زميلاتها وزملائها بصورة لافتة، غير أن جنود الاحتلال بتروا الحلم ودفنوه إلى غير رجعة ودون ذنب.
وتتساءل والدة المسعفة النجار عن "الصمت الغريب" الذي يلف العالم العربي ورؤساء دوله تجاه الجرائم التي يقترفها جنود الاحتلال بحق ابنتها ومن قبلهم الشبان والشابات المشاركين في مسيرات العودة، مضيفة: "ألسنا شعوبًا واحدة؟ ألسنا ذوي دم ودين واحد؟".
ولا يرجع جزء من حق دم ابنتها والشهداء الذي نزف غدرا سوى تقديم قادة وجنود دولة الاحتلال الإسرائيلي للمحكمة الدولية، وأن العالم كله أمام اختبار لأن يقف لجوار المظلومين أو يبقى صامتا بما يمثل دعوة للاحتلال في الاستمرار بجرائمه.
ومنذ 30 مارس/آذار الماضي يتجمع آلاف الفلسطينيين قرب السياج الفاصل بين غزة والأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948 ضمن مشاركتهم في مسيرة العودة السلمية المطالبة بعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى مدنهم وقراهم التي هجروا منها قسرًا عام 1948.

