حدثي شيخ قبل أيام أنه توقف عن دروس القرآن التي يعطيها لتلامذته في شهر رمضان المبارك، معللًا ذلك بالتفرغ لعبادته الخاصة فقط، فهل يطلب منها رمضان الانعزال والانغلاق على ذواتنا؟
مرة ثانية الحديث هنا عن مقاصد الصيام، وهل هو نجاة فردية أم جماعية؟، ولماذا يرى كثيرون أن من ضرورات رمضان أن يغلق المرء منا على ذاته باب الحياة والمجتمع، ويعيش في عزلة تامة وانقطاع عن الناس؟
نلاحظ معًا أن أبرز العبادات في رمضان تؤدى جماعة، فهناك _مثلًا_ صلاة القيام (التراويح) التي يجتمع لها الناس كل يوم وقت العشاء، وهناك زكاة الفطر التي تعكس تكافلًا اجتماعيًّا جماعيًّا نهاية هذا الشهر، وهناك قراءة القرآن الجماعية أيضًا؛ ففي مسند الإمام أحمد عن ابن عباس: "أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) كان من أجود الناس، وأجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، يلقاه كل ليلة يدارسه القرآن، فكان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) حين يلقاه جبريل أجود من الريح المرسلة"، ويتدارس القرآن أي يقرأه على جبريل، ويقرأ جبريل عليه، وذلك كل ليلة في رمضان (كما اتفق المفسرون)، وكل حديثنا هذا لا ينسخ الاجتهاد الشخصي المطلوب لكل مسلم في رمضان.
ما نريد قوله هنا إن رمضان لا يريدنا منعزلين ومنغلقين على ذواتنا، بل يريد منا أن نجتمع أكثر في العبادات المفروضة والنافلة التي تزيد جرعتها في رمضان، وبذلك يكون الخلاص جماعيًّا قبل أن يكون فرديًّا، فــالمؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص، يشد بعضه بعضًا، حتى في العبادات.