المصاحف التي تصل إليها الأتربةُ أكثرَ من الأيادي طوال السنة قد لا تجد واحدًا منها لتقرأ منه وِردك في شهر رمضان، فالناس كما أنهم يقبلون على العبادات يبدؤون سباقًا شخصيًّا وآخر جماعيًّا في ختم القرآن الكريم، مرةً أو مرتين أو ثلاثين مرةً.
وقد كان النبي (صلى الله عليه وسلم) يتدارس القرآن مع جبريل كل ليلة في رمضان، وكان الصحابة والسلف منشغلين بالقرآن تاركين أي شيء غيره، وفيما نفعله اليوم اقتداء وخير كثير.
لكن ماذا بعد شهر رمضان؟، هل ستنسحب الأيادي وتعود الأتربة؟
في الحقيقة إن هذا يحصل مع أغلبنا كل سنة، ذلك أننا حصرنا قراءتنا للقرآن بشكل واحد، وهو "ورد الختمة"، فجلُنا يقرأ القرآن في رمضان ليختمه فقط، وهو بذلك سيتنفس الصعداء عندما يصل إلى سورة "الناس"، وهذا الأمر على حُسنه ليس المقصد الأساس من قراءتنا لكتاب الله (عز وجل)، فكتاب الله الذي نتعبد بتلاوة آياته لم يُحصر فيه الأجر بعدد الآيات المقروءة، بل أيضًا بالتدبر والحفظ والفهم، وكم سمعنا عن صالحين استوقفتهم آية من كتاب الله يتدبرونها مدة من الزمان، وآخرين لهم قصص مع آيات وسورٍ من كتاب الله (عز وجل) تحكي عن فهمٍ ووعي وتدبر.
هذا القرآن نزل ليكون رفيق دربك، صديقك، قصة حياتك، لكنك ما زلت حتى هذه اللحظة تعُده تكليفًا يجب عليك إنجازه وعدّ الآيات والسور والختمات فيه، جرب مرةً أن تقرأه فتحًا لا ختمة، أن تقرأه ليهديك سواء السبيل، ويعطيك إشارات تضيء طريق حياتك، جرب، وستجده يحدثك أنتَ وحدك.