على ما يبدو أن الإدارة الأميركية تلعب لعبتها الأخيرة لتصفية القضية الفلسطينية منذ تولي ترامب الذي سوق لصفقة القرن، واليوم تسرب إدارته خبر الإعلان عنها الشهر القادم وبغضّ النظر عن فحواها ومضمونها الهزيل، وإنما توقيتها القاتل يجب أن يؤخذ في الحسبان؛ إذ بواسطة الصفقة تحرف الأنظار عن الحرائق الحقيقية في المنطقة والتي من أهمّ أسباب اندلاعها السياسة الخرقاء التي اتبعها ترامب، إذا ما جاز التعبير، بشأن القضية الفلسطينية وإعلانه مواقف معادية للشعب الفلسطيني وحقوقه، خاصة فيما يتعلق بالقدس واللاجئين والاستيطان غير الشرعي في الأراضي المحتلة، ما أكد للقاصي والداني أن الصفقة التي تحدث عنها ترامب وصاغها طاقمه الموالي (لإسرائيل) والصهيونية ليست سوى محاولة أميركية لفرض إملاءات على الشعب الفلسطيني تنسجم مع الأطماع التوسعية للاحتلال الإسرائيلي وتشبع نهم يمينه الاستيطاني التوسعي لمزيد من الأراضي والهيمنة على حساب الحقوق المشروعة لشعبنا.
فحسب موقع "ديبكا" الإخباري العبري الذي نشر أهمّ نقاط الصفقة والتي تقول مصادر إعلامية أن الرئيس الأميركي يعتزم الإعلان عنها في منتصف أو أواخر شهر يونيو/ حزيران القادم، وذكر الموقع الإسرائيلي أن ترامب ناقش هذه الخطة مع عدد من الزعماء العرب والمسلمين ولكنه لم يناقشها مع الطرف الأساسي في هذه القضية الذي يمتلك مفتاح إنجاحها أو إفشالها وهو الطرف الفلسطيني، لأنه يعلم سابقًا أن هذه الخطة مرفوضة أساسًا لأنها تتجاهل الحقوق الشرعية الفلسطينية الأساسية وتتجاوز الخطوط الحمراء الفلسطينية أيضًا، فعندما تسلم للاحتلال الأغوار وتضمّ له المستوطنات وتعدّ القدس موحدة عاصمة له، وعندما تركز على أن أبو ديس بدلًا من القدس للفلسطينيين، وعندما تجبرنا على الاعتراف بيهودية الكيان وضم الجولان السوري... إلخ فمن سيقبل بهذه الصفقة؟!
إن إدارة ترامب لن تجد فلسطيني واحدًا يقبل بهذه الخطة ولن تجد قائدًا فلسطينيًا واحدًا داخل الوطن ولا خارجه يقبل بها، بل الشعب الفلسطيني لن يتعامل تمامًا مع هذه الخطة ولا مع أي فلسطيني أيًّا كان يقبل بها أو يتعامل معها وسينبذه ولن يقبل به ممثلًا له.
فالتركيز على أبو ديس قد يكون خطة إشغال عن باقي الملفات، وقد يكون نوعًا من خفض سقف التوقعات، حتى عندما تضاف أحياء شعفاط وبيت حنينا وربما راس العامود، كأن العرض اختلف. وحتى تبدو حلحلة ملف القدس كأنها حلت باقي الملفات. مع أنّ مواضيع اللاجئين، والسيطرة على الحدود، وكامل مساحة أراضي 1967، هي بالصعوبة ذاتها أو أكثر.
إن ما يجب أن يقال هنا أولا أن أية صفقة أو خطة أو مبادرة لتحقيق السلام والأمن بالمنطقة لا بُدّ وأن تتعامل مع القضية المركزية التي شكلت منذ عقود طويلة أساس الصراع العربي الإسرائيلي وقضية الأمتين العربية والإسلامية المركزية. وهي القضية الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي غير المشروع للأراضي الفلسطينية والعربية، وعلى أساس مقررات الشرعية الدولية سواء مجلس الأمن أو الجمعية العامة أو ما تعارف عليه المجتمع الدولي باسم خطة خريطة الطريق وحل الدولتين.
كما أن أية خطة أو مبادرة لا تأخذ بالاعتبار الموقف الفلسطيني صاحب القضية بالحسبان وتلتزم بتلبية حقوقه المشروعة لن يكتب لها النجاح، ومن الأجدر بكل من يحاول القفز عن الجانب الفلسطيني والترويج للحلول الإقليمية ومحاولة فرض حلّ على الشعب الفلسطيني وقيادته أن يعيد دراسة التاريخ كي يدرك أن كل تلك المحاولات المماثلة الأميركية أو الإسرائيلية تحطمت على صخرة صمود وإرادة الشعب الفلسطيني المدعوم بالشرعية الدولية وبالغالبية الساحقة من دول وشعوب العالم.
وإضافة لكل ذلك، فإن أي طرف يطرح خطة أو مبادرة لتحقيق السلام لا يمكنه بأي حال من الأحوال التصرف بحقوق الشعب الفلسطيني وكأنها ملكية خاصة له يعطيها لمن يشاء فالشعب الفلسطيني وبمؤسساته التمثيلية وفي مقدمتها منظمة التحرير الفلسطينية ممثله الشرعي والوحيد، هو صاحب الحق في تقرير مصيره والتحدث باسمه وقبول أو رفض أي اقتراح بقدر ما ينسجم أو لا ينسجم مع حقوقه المشروعة.
وللأسف الشديد فإن كل ما سبق من مبادئ وأسس متعارف عليها دوليًّا قد داسه ترامب بفظاظة، معتقدًا أو واهمًا أنه يستطيع أن يفرض ما يريده اليمين الأميركي والإسرائيلي تحت يافطة السلام، ومعتقدًا أو واهمًا أن الشعب الفلسطيني الذي قدم كل هذه التضحيات الجسام على طريق انتزاع حريته واستقلاله قد يخضع لجبروت القوة أو إغراءات المساعدات المالية وغيره من الضغوط.
ولذلك نقول إن ما أعلنته الإدارة الأميركية بشأن قرب إعلان مبادرتها لم يعد يهمّ الشعب الفلسطيني بعد أن أثبتت واشنطن أنها لم تعد وسيطًا يمكن التعامل معه، واختارت معاداة الشعب الفلسطيني وحقوقه، وقد قال شعبنا "لا" واضحة بشأن موقف هذه الإدارة الأميركية من حلّ القضية الفلسطينية.