من المفترض أن يسبب لنا هذا التحذير النبوي إزعاجًا حقيقيًّا، وخوفًا من انطباقه علينا، لكن الواقع يقول إننا نغرق فيه حتى أذقاننا، ونقول: "ما باليد من حيلة".
هذا الحديث الذي صح عن النبي (صلى الله وعليه وسلم) يلفت الانتباه إلى قضية غابت بين انشغالنا في التزامات الدنيا، وغرقنا في قضايا أحكام الصيام وشروطه ونواقضه ... إلخ، ولا ننكر أهمية المحورين الأساسيين، لكن هناك محور أساسي نعطيه أهمية أقل في حديثنا وانتباهنا في شهر الصيام، ودعونا نصفه بالمعضلة الكبيرة التي تعتري جُل عباداتنا، وهي الاكتفاء بأداء الصورة، والبعد عن تحقيق الهدف.
فهل ما يريده الله من صيامنا أن نجوع ونعطش، وأن نتعب ونُرهق، وهو الذي لم ينزل علينا الدين لنشقى، بل لنسعد في الدارين الأولى والآخرة، أم أنه يريد شيئًا آخرَ أغفلناه في غمرة البحث عن الصورة والهيئة؟
إن أهداف الصيام الفردية والمجتمعية كثيرة وكبيرة، وقليل منا من يعيها ويصل إليها في صيامه، وكثيرون لا ينالهم إلا "الجوع والعطش"، ومن هنا أتى التحذير النبوي الصريح والواضح لينبهنا إلى هذه المعضلة الأساسية في الصيام وفي باقي عباداتنا.
إن للصيام مقاصد وأهدافًا اجتماعية واقتصادية وتربوية وسلوكية ونفسية وصحية، وأكثر من ذلك، وكل واحد من هذه الأهداف يجب أن نحققه في صيامنا، لتبقى معنا إلى ما بعد الصيام، وما أداء العبادات بصورها إلا عملية تدريبية تستهدف في الأساس إحداث التغيير في دواخلنا تدريجيًّا، حتى نتغير على الصعيد الفردي، ونغيّر على الصعيد المجتمعي، فلنبحث عنها في صيامنا، ولنحقق مقاصد رمضان الحقيقية.