في إطار تباين الآراء حول مسيرة العودة مند مهدها، هل هي وسيلة أم غاية؟ ضرورة أم ترف؟ وفي ضوء ما حدث يوم الاثنين 14 مايو 2018، يبرز السؤال الكبير هل فشلت مسيرة العودة؟
يجيب البعض على سبيل السخرية بأنها فشلت، لأنها رفعت أعداد الشهداء و الجرحى والمعاقين واليتامى والأرامل والثكالى، لم نكن بحاجة إليه، ولم نرجع إلى أراضينا المحتلة ولم يُرفع الحصار.
هذا الرأي من حيث الشكل هو أمرٌ لا يمكن إنكاره، فقد زاد عدد الشهداء والجرحى والمعاقين واليتامى والثكالى والأرامل، ولم يُرفع الحصار ولم نرجع لقرانا، سأفترض حسن النية في أصحاب هذ الرأي، وأسأل هل يظنوا أن تحرير الأوطان يأتي بالمجان؟ ألم يقرؤوا تاريخ حركات التحرر وكيف نالت الدول استقلالها، وهل نسوا أن الثورة الجزائرية دفعت مليون شهيد قرباناً للحرية، والثورة الفيتنامية دفعت مليون ومئة ألف قتيل، و ثلاثة ملايين جريح، ونحو 13 مليون لاجئ؟
النصر يحتاج لمثابرة واستمرارية ،هكذا تؤكد شواهد التاريخ، فالحرب سجال ، وأن عدم تحقيق نصر في جولة، لا يعني الهزيمة، وإن عدم تحقيق المسيرة لأهدافها المادية، لا يعني أنها فشلت أو خلت من انجازات على صعد اخرى، فقد أعادت القضية الفلسطينية وخاصة حصار غزة إلى الواجهة، وأعادت تفعيل القرارات الدولية الخاصة بموضوع اللاجئين، وأظهرت إبداعات ميدانية جديدة، واستنهضت همم الشرفاء والمخلصين من العرب والمسلمين وأحرار العالم، ووحدت الجماهير تحت علم فلسطين، وأظهرت أن الرغبة في العودة يطغى على كل أمرٍ رغم كثرة عوامل الإلهاء، وأن الكبير و_ إن مات_ فإن الصغير لا ينسى، وكشفت تخوف وتناقض الاحتلال من فكرة المسيرة، وكشفت خفايا بعض أبناء جلدتنا من عربٍ ومسلمين وموقفهم من القضية الفلسطينية والتطبيع مع الاحتلال، حيث قرأنا مواقف كثيرة تُهبّط من قيمة أي فعل فلسطيني نضالي، وترفع من قيمة الجيش الصهيوني القاتل، وكأني أرى قول الله عز وجل (لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ) يتحقق في هذه الظروف.
ولو أردنا معرفة لماذا لم تحقق مسيرة العودة نتائج ميدانية حتى الآن؟ سنجد أن ثمة عوامل داخلية وخارجية ساهمت في إعاقة نمو نتائجها:
أولاً: العوامل الداخلية:
1- تباين وجهات النظر السياسية الحقيقية تجاه مسيرة العودة، صحيح أن السلطة أظهرت أنها مع المسيرة باعتبارها منسجمة مع فلسفتها السياسية، لكنها لم تقدم لها عوامل نجاح، فلم ترفع الاجراءات الانتقامية التي فرضتها على غزة، بل واصلت فرضها، ولم تتقدم بشكل رسمي بدعاوى وقضايا في المؤسسات الدولية الحقوقية ضد جرائم الاحتلال، بل إن كل ما قامت به حسب خبير قانوني دولي هو تقديمها لتقارير أشبه ما تكون بتقارير صحفية ليس لها قوة دفع نحو محاسبة ومحاكمة الاحتلال على جرائمه.
2- لم يكن التفاعل مع مسيرة العودة في الضفة على المستوى المطلوب، بل لا أبالغ إن قلت أن التفاعل في بعض الدول خارج فلسطين كان أكثر من الضفة.
ثانياً : العوامل الخارجية:
1- حالة الغياب المتفق عليه للموقف الرسمي العربي والذي ينسجم تماماً مع الرؤية الصهيونية والأمريكية في اخضاع غزة للقبول بصفقة القرن وابقائها بين حالة اللاموت واللاحياة.
2- غاب الإعلام العربي عن التفاعل مع اجرام الاحتلال بحق المتظاهرين السلميين بسبب خضوعه لفلسفة أنظمة سياسية عربية تسعى لتقوية الروابط مع الاحتلال.
ختاما: وجب التأكيد على أن عدم تحقيق مسيرة العودة الأهداف المادية التي انطلقت من أجلها _على الأقل حتى الآن _ ليس لأنها عقيمة القدرة على الإبداع والصمود، وليس لأنها لم تجد حضناً شعبياً كبيراً، بل على العكس فالتوافق الكبير الذي وجدته أطال عمرها حتى الآن، بل لأنها كانت تسير ظهرها مكشوف و حافية القدمين في حقل مزروع بألغام الالتفاف والاستيعاب والاستهانة.