سعى الاحتلال على مدار سبعين عامًا من الاحتلال إلى ترتيب الأجندة الفلسطينية والإقليمية لصالح قضاياه، لكن اليوم، يمكن القول إننا من يضع الأجندة ويفرضه عليه وعلى الدول الإقليمية، وهذا نتاج الروح الوطنية والثورية التي صنعت خلال السنوات الأخيرة ردًا على محاولات طمس الهوية الفلسطينية.
أفشل الفلسطينيون في تموز الماضي مخطط الاحتلال لفرض إجراءاته ضد المقدسيين بوضع بوابات الكترونية أمام بوابات المسجد الأقصى، لكن المفاجأة هي أن المقدسيين انتفضوا في ثورة عرفت بثورة البوابات لرفض الدخول منها، وأجبروا الاحتلال على رفعها ووقف أي اجراءات في القدس، وتدخلت في ذلك دول اقليمية ودولية لإخراج الاحتلال من المأزق.
اليوم في غزة يتم ارساء قواعد مشابهة لصناعة الوعي القائم على مسيرات ومخيمات العودة، ووضعها على الاجندة الدولية والاقليمية وازاحة واقصاء مخطط صفقة القرن ومخططات تحالف نتنياهو ترامب، وهو ما دعا الاحتلال للتحرك في أوسع حملة علاقات عامة لترميم صورته دوليًا بعد فشله في مواجهة الحملات الاعلامية الداعمة للقضية الفلسطينية، واعترف قادة الاحتلال أنهم فشلوا في مواجهة ما يسمونها دعاية حماس الكبيرة.
الدعاية الاسرائيلية المستندة لموروث الدعاية الصهيونية أخرجت نتنياهو شخصيًا للصدارة في الدفاع عن جرائم جيشه على حدود غزة، لكنه فشل في ذلك على الصعيد الفلسطيني الذي توحدت أطيافه خلف الحراك الشعبي الواسع وبقيت صورته قبيحة سوى لدى بعض المتصهينين وحلفائهم في المنطقة.
الوعي الذي احدثته مسيرات العودة تفوق على الدعاية الصهيونية، واستطاع الشباب الفلسطيني فرض الاجندة على المنطقة وكسر التابوهات التي حاول الاحتلال بناءها على مدار عشرات السنوات، ففي غزة يسير الشبان على حدود غزة بما يستطيعون من أدوات سلمية في مواجهة تحصينات الاحتلال على حدود غزة، ومواجهة قناصة الموت، في كل يوم جمعة، وعلى مدار الساعة بأشكال مختلفة.
الشباب الغزي وضع أجندة الحصار على سلم الاولويات مما دعا الكثير يبحث يمينًا ويسارًا لإيجاد مخرج لما يحدث على الحدود الشرقية وانقاذ المنطقة من أحداث أكبر في حال استمر هذا الحراك، وتمكنت تلك الادوات البسيطة التي يستخدمها الشباب الصغار من اعادة ترتيب الاجندة في المنطقة لصالح القضية الفلسطينية التي طغت لأسابيع على عناوين وسائل الاعلام الاقليمية والدولية.
الوعي الذي تولد لدى الشبان هو امتداد لانتفاضة الحجارة عام 1987 والمسيرات الشعبية في الضفة الغربية وابداع بنكهة غزاوية بإنشاء وحدات جديدة لمواجهة الاحتلال مثل وحدات الكاوشوك ومواجهة قنابل الغاز، ووحدات الأطباق الطائرة التي تحولت إلى كابوس للاحتلال، وتحول هؤلاء الشباب إلى ايقونات لهذه المرحلة المهمة والحساسة.
مسيرات العودة أحدثت تغييرا كبيرا في الوعي الجمعي الفلسطيني في قضايانا الوطنية المتمثلة بالحق في العودة كحق لا يغيب عن الأجيال، وكذلك كسر الحصار عن غزة كمسلم من مسلمات التحركات الشعبية والتي بدأت تتحقق معالمه، وهو ما يحتاج لبلورة واضحة في سبل كسر الحصار وتحقيق المطالب الشعبية.