الصيام يمنعنا من ثلاثة أشياء أساسية: الأكل والشرب والجماع، وهذه الأشياء هي التي يقوم عليها الجنس البشري، فما المغزى يا تُرى من أن يتركز الصيام على الامتناع عن هذه الحاجات الأساسية في بقاء الجنس البشري؟
في مرحلة دراسية ما، قرأنا عن النظرية النفسية التي قدمها العالم أبراهام ماسلو "نظرية الدافع البشري" والتي عرفت بعدُ بهرم ماسلو للحاجات الإنسانية، هذه النظرية تضع الحاجات الفسيولوجية في قاعدة الهرم كأول الحاجات وأهمها لدى الجنس البشري، ثم تتدرج لحاجات الأمان، فالعلاقات، فالتقدير والاحترام، وصولًا إلى رأس الهرم "الحاجة لتحقيق الذات".
هذا الترتيب منطقي إلى حدٍ بعيد، وفي القرآن ما يصدقه في آخر آيات سورة قريش: "الذي أطعمهم من جوع، وآمنهم من خوف"، وبالتالي فتحقيق حاجة يتطلب شرطًا تحقيق ما قبلها.
قبل رمضان بيوم واحد، لو طلب منك أحدهم أن تنقطع عن شرب الماء لساعتين فقط، ستشعر بأنه يريد إعجازك..! لكن في اليوم التالي مباشرة، تنصاع بكل جوارحك للامتناع عن الحاجات الفسيولوجية الأساسية ودون أن تشعر بأن الأمر مستحيل..! فهل سألت نفسك ما الذي تغير؟ ومن أين أتتك هذه العزيمة على خوض أمر كنتَ من ساعات فقط تراه معجزًا؟ إنه باختصار رمضان الذي ينفث فيك روح العزيمة على تحقيق ذاتك، دون أن تمر عبر الحاجات الفسيولوجية التي تشترك فيها معك كل المخلوقات..!
إذن مع رمضان الأمر مختلف، فشهر الصيام يمنحك فرصة لتخرج من البعد الغرائزي، لتحقق ذاتك دون المرور عبر هذا التدرج البيولوجي، هو يريدك أن تحقق ذاتك بالتواصل مع الله، والارتباط به طوال اليوم.