قائمة الموقع

عائلةٌ تكالب عليها الفقر والمرض ولا مَطلب سوى "الستر"

2018-05-18T13:46:09+03:00

ما لهذا الجسد النحيل باردًا مُتيبسًا لا يجد نورًا للحياة؟!، لمَ أصبحت كل الأيام هُنا متشابهة لا لون لها ولا طعم، نُمضي يومنا بصعوبة كأن الوقت أبطأ من سلحفاة عجوز، أقراص الدواء والمسكنات لم تُعد تنفع هذا الجسد؟!

ما يهلكه ليس المرض فقط بل الجوع والفقر وعدم قدرتي على توفير شيء لأبنائي، ماذا عن صمتي وعجزي أمام رغبات صغيرة لا تطلب سوى القليل من المال؟!، تِلك صورة مأسوية عن عائلة أوجعها الفقر حد الموت، فباتت تطلب الرحمة من غيرها كي ينعم هذا القلب البارد بالدفء والسكون.

أمراض خطيرة

هُنا في بيت لا يصلح للسكن، حيث درجة الحرارة المرتفعة والبعوض والحشرات في الصيف، وسيول المياه الجارفة التي تصل إلى حد استدعاء الدفاع المدني لنجدة أهل المنزل في الشتاء؛ هُنا تعيش عائلة متكونة من تسعة أفراد لا مُعيل لهم سوى الله، ومساعدات الشئون الاجتماعية التي باتت عبئًا على أصحابها، كونها لا تصل سوى كل أربعة أشهر أو أكثر.

(م. ع) (الأسماء الواردة في القصة مستعارة حفاظًا على خصوصية العائلة) التي تعاني من سرطان في العظم إضافة إلى معاناتها من مرض الذئبة الحمراء قالت: "بدأت قصتنا عندما نزحنا من الأردن إلى غزة للعمل، وشراء منزل أستقر فيه أنا وزوجي وأبنائي".

وتابعت: "استأجرنا منزلًا صغيرًا حينها، وحرص زوجي على العمل في الأراضي المحتلة عام 1948م، لتوفير دخل مادي نستطيع به شراء منزل"، مشيرة إلى أنه بعد مرور عام واحد فقط على عمله في الأراضي المحتلة طُرد كل العمال هناك، ومن يومها حتى الآن تعاني العائلة الأمرين.

نقص الأدوية

أضافت الأم التي كانت ترتدي ملابس الصلاة: "دائمًا أنا عاجزة عن توفير الأدوية؛ فمرض الذئبة الحمراء وحده يحتاج إلى 200 شيكل شهريًّا، وهو غير متوافر في قطاع غزة ولا تستطيع وزارة الصحة توفيره بسبب ارتفاع ثمنه، هذا غير معاناتي من مرض السرطان، وعدم مقدرتي على شراء طعام لي ولأطفالي".

تابعت قولها وقلبها يعتصر ألمًا على حالها وحال صغارها: "رغم تعبي ومعاناتي من المرض أضطر في بعض الأحيان إلى العمل في البيوت خادمة، مقابل مبلغ بسيط جدًّا أوفر به ثمن الطعام لأبنائي، هم يكبرون وهمومهم تكبر، ولا أستطيع الوفاء بالتزاماتهم".

ومضت بالقول: "لو أن الأمر يتعلق بأبنائي الصغار فقط لكان الوضع مختلفًا؛ فهم يقبلون القليل، ولكن لدي أبناء في الثانوية، ولا أستطيع توفير حتى أدنى المتطلبات لهم"، لافتة إلى أنهم أصبحوا يخجلون من ملابسهم، ويخافون نظرة الناس إليهم.

"وأنا أحمل كل هذا الخوف في قلبي، لا أعرف ما الذي أفعله غير أن أخدم في البيوت، وأنا في هذا الوضع الصحي السيئ" تابعت والأسى يقطر من كلماتها تقطيرًا.

أوضاع مأسوية

قالت وهي تبكي بشدة على صعوبة وضعها الصحي والمادي: "ما أحصل عليه من مساعدة الشئون الاجتماعية يتسلمه صاحب المنزل بدلًا من ثمن الإيجار، حتى (كوبون) الوكالة الذي نعتاش منه يقاسمنا إياه بدلًا من إيجار الكهرباء والماء، أحيانًا أضطر إلى بيع بعض المواد التموينية وشراء الخضراوات، حياتنا تعيسة جدًّا، نعيش على ما هو موجود، والحمد لله".

وأضافت: "في بعض الأحيان يعمل زوجي سائقًا على سيارة أجرة، هذا إن توافرت، ولكنني في غالب الوقت أحاول تدبير أمورنا بما هو موجود، كطهي الأرز الذي أحصل عليه من (كوبون) الوكالة، أو العدس، وأحيانًا لا ينسانا أهل الخير".

في هذا المنزل الصغير كل شيء غير صالح للاستخدام أبدًا، فالغسالة تحتاج إلى مبلغ مالي من أجل أن تعمل مرة أخرى، وتضطر الأم إلى غسل الملابس بيديها، إضافة إلى أن الثلاجة فارغة تمامًا لا يوجد بها طعام، وهي غالبًا متعطلة بسبب ارتفاع درجة الحرارة وعدم قدرتها على التحمل.

نُريد الستر

ومضت بالقول:" ابني أنهى دراسة الثانوية العامة، ولكن بسبب الوضع المادي السيئ لم يتمكن من إكمال تعليمه بالجامعة، قلبي يتقطع عليه ليل نهار؛ فمستقبله ضاع بسبب سوء أوضاعنا المادية"، مضيفة: "لو أن لنا مصدر دخل، ولو بسيطًا جدًّا، نعتاش منه؛ لما كانت أوضاعنا هكذا".

أكملت حديثها: "لا أريد قصرًا ولا أموالًا كثيرة، كل ما أريده هو الستر لي ولأبنائي فقط، نريد من يشعر بنا، بمرضي وضعفي وعدم قدرتي في بعض الأحيان على شراء الأدوية، هذا فقط ما أريده".

كل ما تتمناه هذه الأم هو الستر فقط، أن تعيش في غرفة صغيرة مع أبنائها الصغار، ولا تضطر كل شهر إلى انتظار صاحب المنزل ليهددهم بالطرد بسبب التأخر عن دفع الإيجار، أن يطلب أبناؤها أنواعًا مختلفة من الطعام وتوفرها لهم بدلًا من حرمانهم.

ألا تستيقظ على فيضان المياه بمنزلها في الشتاء، وأن تنام مرتاحة في ليل الصيف بعيدًا عن لدغات البعوض ومضايقات الحشرات المؤذية طيلة الليل، وأن توفر الملابس لأبنائها بعيدًا عن نظرات السخرية من زملائهم، كلها أحلام بسيطة جدًّا، لكنّ عجزها أمام كل هذا يزيدها ألمًا.

اخبار ذات صلة