أجمع مراقبون على أن استخدام جيش الاحتلال الإسرائيلي القوة المفرطة بحق المتظاهرين السلميين المشاركين مع "مليونية العودة الكبرى" في قطاع غزة، دليل عجزه في ردع الفلسطينيين عن الاستمرار في الاحتشاد على الشريط الفاصل بين قطاع غزة والأراضي المحتلة عام 1948.
وأوضح هؤلاء أن (اسرائيل) تضرب بعرض الحائط كلّ الاتفاقيات والمواثيق الدولية التي تنصّ على حماية المدنيين، في تشجيع الإدارة الأمريكية لها وإعطائها الضوء الأخضر والتغطية على جرائمها.
واستشهد 61 مواطنًا، بينهم 7 أطفال، وجرح أكثر من 2270 آخرين؛ جرّاء قمع قوات الاحتلال المشاركين في "مليونية العودة" أول من أمس، رفضًا لنقل السفارة الأمريكية لمدينة القدس، وإحياء للذكرى الـ70 للنكبة الفلسطينية، بحسب أحدث إحصائية لوزارة الصحة بغزة.
سياسة تخويف
ورأى المختص في الشأن الإسرائيلي د. مأمون أبو عامر، إن (إسرائيل) أرادت من استخدام القوة المفرطة بحق المتظاهرين، فرض حالة من الخوف لمنع احتشاد مزيد من الجماهير أمام السياج.
وعّد أبو عامر في حديثه لصحيفة "فلسطين"، تعامل قوات الاحتلال مع المتظاهرين ضمن "سياسة الردع والتخويف" التي ينتهجها ضد الفلسطينيين.
وقال: إن "(إسرائيل) لا تخشى كثيرًا من الرأي العام العالمي في ظل وجود الإدارة الأمريكية الداعمة والمساندة لها، في التغطية على جرائمها، إضافة إلى الساحة الإقليمية المؤيدة لها، وتوجه دول عربية لإقامة علاقات معها بدلًا من مناصرة الفلسطينيين".
ولفت إلى أن جيش الاحتلال كان لديه تقديرات بأن تجمع الحشود الكبيرة قرب السياج سيعطيهم فرصة كبيرة لاختراقه، "لذلك حاول بناء جدارًا من الردع للجمهور الفلسطيني".
وبيّن أبو عامر أن الاحتلال يحاول قمع تطلعات الشعب الفلسطيني في حق العودة قبل أن تتعاظم في نفوس أبنائه.
وأشار إلى وجود مطالبات بالتحقيق في جرائم الاحتلال، "لكن أمريكا لن تسمح بذلك، وهو ما يشجع (إسرائيل) على استباحة الدم الفلسطيني والتمادي بالتغول في سياستها الإجرامية".
ويتفق أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأزهر د. مخيمر أبو سعدة، مع سابقه، قائلًا إن الاحتلال يعلم أنه يتمتع بغطاء أمريكي في مجلس الأمن والأمم المتحدة، الأمر الذي دفعه لاستخدام القوة المفرطة ضد المتظاهرين السلميين قرب السياج الفاصل شرق القطاع.
وأضاف أبو سعدة لصحيفة "فلسطين"، أن التغول الإسرائيلي في الدم الفلسطيني له سياق إقليمي، المتمثل بسيل الدماء الكثير في منطقة الشرق الأوسط، ما جعل العالم يتعود على مشاهد الدم والقتل.
ولفت إلى أن (إسرائيل) تعتقد بأن استخدام العنف المفرط لن يكون مفاجأة أمام العالم الذي اعتاد مشاهد القتل والدم، لافتًا إلى أنها ظنت أنه سيشكل حالة من الردع مستقبلًا.
وأشار إلى أن (إسرائيل) كانت تتوقع أسوأ السيناريوهات، وهو اقتحام السياج الفاصل ودخول آلاف الفلسطينيين إلى الأراضي المحتلة عام 1948، مبينًا أن جيش الاحتلال استنفر كل قوته لمنع أي عمليات تسلل نحو الأراضي المحتلة.
خارج العقاب
من جانبه، قال الباحث بالشأن الفلسطيني في بيروت، نافذ أبو حسنة، إن (إسرائيل) اعتادت استخدام العنف ضد الفلسطينيين منذ 70 عامًا، مشيرًا إلى أنها "الدولة المدللة من القانون الدولي وخارج العقاب".
وعدّ أبو حسنة في اتصال هاتفي مع "فلسطين"، ما جرى في قطاع غزة "أمرًا متأصلًا في طبيعة الاحتلال"، لافتًا إلى أنه يواجه كل تحرك فلسطيني بالقوة حتى لو كان سلميًا.
وذكر أن الاحتلال يشعر بالخوف من مسيرة العودة، لذلك أراد أن يردع الفلسطينيين عن الاستمرار بالتحرك الذي أعاد قضية اللاجئين على الطاولة من جديد.
وأوضح أن الغطاء العربي والأمريكي يساعد الاحتلال في الاستمرار في استخدام القوة المفرطة ضد المتظاهرين، عبر الأسلحة المحرمة دوليًا، واصفًا التطبيع والتأييد العربي مع (إسرائيل) بـ"الانحطاط الكبير".
ولفت أبو حسن إلى ضرورة استمرار الشعب الفلسطيني في نضاله وكفاحه ضد الاحتلال الإسرائيلي، وألا يعوّل على المجتمع الدولي المتواطئ أصلًا مع الولايات المتحدة و(إسرائيل).