فلسطين أون لاين

شاهد على السلمية

شاركت وحضرت سبعة أسابيع من المظاهرات السلمية الاحتجاجية على حدود غزة الشرقية، والمشاركة هنا واجب وطني فلسطيني وطبيعة العمل الإعلامي، وهنا أسجل الموقف بعد ارتقاء 58 شهيدًا أمس وما يزيد عن 2700 جريح، وما هو يفرض علينا أن نتوقف أمام التجربة بما لها وما عليها.


لاحظت المشاركة الواسعة من كافة شرائح وقطاعات المجتمع من نساء وأطفال وشيوخ، ومدرسين وطلابهم، وغيرهم، وشعارهم السلمية قولًا وفعلًا، وتغطية إعلامية واسعة من الإعلام، وتحت أعين الكاميرات، في مقابلهم جنود مدججون بأعتى الأسلحة وأحدقها تقنيًّا.


شاهدت كيف يطلق الجنود النار على الشبان دون أن يشكلوا أي خطر عليهم، وكنت قرب أطفال أو فتية يبعدون مئات الأمتار عن السلك الشائك، ورصدت إطلاق قنابل الغاز بالآلاف على خيام المحتجين التي تبعد مئات الأمتار عن السلك الشائك، من خلال إطلاقها المباشر لتصيب الأجساد أو إطلاقها من طائرات متطورة تنزل على رؤوس المدنيين من نساء وأطفال فتصيبهم بالإغماء والاختناق.


شاهدت أمس وقبله كيف يتعمد الجنود إصابة المسعفين ومنعهم من القيام بعملهم وتم توثيق غالبيتها بالصور والفيديو، شاهدت كيف يطلقون النار على الصحفيين وقتلهم بدم بارد، كما حدث مع الزميل الشهيد ياسر مرتجى، وأحمد أبو حسين، وإصابات العشرات منهم، آخرهم الزميل ياسر قديح مصور صحيفة فلسطين.


شاهدت أمس المجزرة البشرية ضد الشبان، حيث يتم إطلاق النار عليهم دون مبرر أو رادع، مما مزق قلوبنا على فقدانهم وخيم الحزن على غزة بفقدان 55 شابًا وفتاة وطفل، وفي هذه اللحظات كنت شاهدًا على اغتيال السلمية وهو الشعار الذي رفعه المحتجون ضد استمرار حصار غزة وحقهم في العودة لديارهم.


رأيت شبانًا يمتلكون من الإرادة ما لا تصدقه إلا إذا عايشتهم أو اقتربت منهم وحرصهم الشديد أن تكون سلمية لأبعد مدى، لكن في كل لحظة كان الجنود يقتلونها بكل رصاصة أو قنبلة غاز تطلق، ليعود بعضهم للتفكير في الخيار الآخر الذي يستحق أن يتعامل معه الاحتلال وهو ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة، ولا يفل الحديد إلا الحديد.


المقاومة المسلحة التي تحمي هؤلاء تمر في أصعب مراحلها بين استنفاد خيار السلمية وبين حماية هؤلاء الشبان من الجرائم التي ترتكب ضدهم، ولعلنا لم نبعد عنها كثيرًا، واعتقد أن الكثير من هؤلاء السلميين الذين شاهدوا زملاءهم يقتلون بدم بارد على يد جنود الاحتلال سيلجؤون للمقاومة المسلحة، أو يصبحون أكثر اقتناعًا بأن الخيار الأنسب للتعامل مع الاحتلال إلى جانب المقاومة الشعبية.


نحن أمام مرحلة حاسمة وحساسة بين رغبة الاحتلال بإنهاء هذه الظاهرة تماماً مهما كان الثمن ولو كان الثمن حربًا في غزة، وبين موقف المقاومة الذي يسعى لتجنيب غزة الحرب، لكن يضيق الأمل أمام ذلك في ظل جرائم الاحتلال وقتله للشبان السلميين على حدود غزة بطريقة وحشية.


فإما أننا سننقع السمية من جنازير الدبابات ومن تحت صواريخ الطائرات أو سنذهب لمواجهة بالحديد والنار ستكون أكثر ايلامًا من سابقتها، لكن هذه المرة يكون الفلسطيني قد قدم نموذجًا جديدًا من سبل المواجهة أمام العالم المصاب بالعمى الأخلاقي والانساني.