فلسطين أون لاين

كهرباء غزة 6 ساعات في ثلثي اليوم الطويل

...
صورة أرشيفية
غزة - ربيع أبو نقيرة

"هات يمَّا هالمَيَّة نغسل هالغسيلات، اسمها الكهربا جاية بقالها 3 ساعات، رجِّع يمَّا الميَّة، قطعت الكهربا يا حسرة!"، هذا حال ربَّات المنازل في قطاع غزة اللواتي لم يرين في ديسمبر الماضي _مثلًا_ الكهرباء سوى ست ساعات كل 16 ساعة، وسط حلول يسمعن عنها في وسائل الإعلام ولا يظفرن برؤيتها على أرض الواقع.

- "تدور مباحثات عن مشروع لتزويد قطاع غزة بخط كهرباء إسرائيلي إضافي" يقول المذيعون في المذياع والتلفاز، فيهمُّ كثيرٌ من الغزيين إلى تغيير المحطة قبل أن تواصل إذاعة هذا الخبر الذي حفظوه دون أن يروه.

استطاعت أزمة الكهرباء المستمرة أن تحاصر أوقات الغزيين، وأن تتحكم في مسار حياتهم، ومنهم الخمسينية أم فراس السطري، التي توقف جميع أعمالها المنزلية بانقطاع التيار الكهربائي، وتقضي وقتها في حيرة من أمرها، أمام جدول كهرباء لا يريها الكهرباء سوى ساعات محدودة من يوم طويل.

ولجأت شركة توزيع الكهرباء لدى اشتداد الأزمة إلى تطبيق برنامج ثماني ساعات وصل يتخللها ساعتا قطع، ويليها ثماني ساعات قطع كاملة.

حتى حاتم الغلبان الطالب في الدراسات العليا يعيقه انقطاع الكهرباء شبه الدائم عن تأدية واجباته الدراسية كما ينبغي، إنها عقبة تحاربه في طريقه نحو تحقيق حلمه بالتخرج.

تلمع عينا الغلبان وتبرقان وهو يلقي الكلمات لصحيفة "فلسطين" عن هذه الأزمة: "يعيقني انقطاع الكهرباء عن تأدية النشاطات البحثية لإكمال الدراسات العليا، أيضًا حالة نفسية سيئة يتركها انقطاع التيار الكهربائي عند انتظاري مشاهدة برامجي المفضلة".

الأربعيني أبو منذر الشاعر جاهد وكافح في البحث عن الحلول الذاتية، لجأ إلى بطارية ذات قدرة عالية وجهاز (يو بي أس)، فضلًا عن أنه وصل خط كهرباء من مولد تجاري يزود عددًا من المنازل في منطقة سكناه، لكن هذه الحل ليس بمتناول يد كل الغزيين الذين تتفاوت أوضاعهم المادية.

كل ذلك ليس سوى وجه واحد من وجوه الأزمة التي تطال القطاعات الصناعية والزراعية، وتُعرقل عمل من لا يستطيع توفير بدائل مناسبة من أصحاب الصناعات أو المزارع.

هكذا تمس هذه الأزمة كل مناحي الحياة للغزيين، الذين يأملون حلها جذريًّا، والتخلص من معاناة طويلة كابدوها على مدار عقد من الزمن.

وفي حسابات المتخصصين إن قطاع غزة يحتاج إلى 500 ميجا وات من الكهرباء، وفي عام 2018م قد يصل احتياج السكان إلى ما يقارب 800 ميجا وات، وكان احتياجه قبل 10 سنوات لا يزيد على 200 ميجا وات.

الأسباب

أسباب رئيسة عدة تقف وراء استمرار أزمة الكهرباء، وفقًا لإفادة مدير العلاقات العامة والإعلام في شركة توزيع كهرباء محافظات غزة طارق لبد، الذي يبين أن أبرزها قلة كمية الطاقة الكهربائية الواصلة إلى القطاع من المصادر الثلاث، وأول هذه المصادر الخطوط القادمة من الشركة الإسرائيلية، وعددها 10، كل خط بقدرة 12 ميجا وات بمجموع 120 ميجا وات.

وحسبما يقول لبد لصحيفة "فلسطين" إن المصدر الثاني هو الخطوط المصرية: "كان لدينا ثلاثة خطوط مصرية، كل خط بقدرة 10 ميجا وات، توقف أحدها قبل قرابة عام ونصف، والمتاح حاليًّا خطان بقدرة 20 ميجا وات".

وعن المصدر الثالث يتابع: "هو ما تنتجه محطة توليد الكهرباء"، مشيرًا إلى أن القدرة الإنتاجية لها مرهونة بعدد المولدات التي تُشغل.

ويفسر: "كل مولد قدرته 20-25 ميجا وات، والمحطة بأفضل أحوالها تولد كهرباء بقدرة 100 ميجا وات"، مشيرًا إلى أن الكهرباء الواصلة إلى القطاع في أفضل أحوالها من المصادر الثلاث لا تتجاوز 240 ميجا وات، وهي تمثل أقل من 45% مما يحتاج له القطاع من الكهرباء.

ويحتاج القطاع في فصل الصيف إلى نحو 450 ميجا وات، وفي فصل الشتاء إلى نحو 550 ميجا وات، وفق إفادة لبد، الذي يلفت إلى أن هذه المصادر لا تعمل بأفضل أحوالها في معظم الأوقات بسبب الانقطاعات المتكررة في الخطوط الإسرائيلية والمصرية، وعدم القدرة على تشغيل المحطة بكامل طاقتها (المولدات الأربعة).

"متوسط كمية الكهرباء المتوافرة في عام 2016م لا تتجاوز 160 ميجا وات، أي ما نسبته 35% تقريبًا من احتياج سكان القطاع من الكهرباء، لذا لا نستطيع تحقيق برامج وجداول توزيع كهرباء تتجاوز في أحسن الأحوال ثماني ساعات وصل ومثلها قطع، وتتأرجح الجداول خلال باقي العام بين جدول ست ساعات وصل واثنتي عشرة ساعة قطع، وجداول مرتبكة بسبب الفصل المتكرر للخطوط" يقول لبد.

أما السبب الثاني للأزمة (والكلام لا يزال للمسؤول في شركة التوزيع) فهو "ضعف الجباية" في القطاع؛ فلدينا قرابة 250.000 مشترك، منهم 160.000 مشترك لا يدفعون فاتورة الكهرباء، أي ما نسبته 60% تقريبًا من عدد المشتركين، الأمر الذي يؤثر على الخدمة المقدمة، لأن تحسين الخدمة مرتبط بقدرة الشركة على اشتراء كميات أكبر من الكهرباء".

ويلفت إلى أن "مشكلة أخرى طارئة" أضافت عجزًا كبيرًا، وتكمن في التعديات على شبكة توزيع الكهرباء بما يصفه بـ"سرقة الكهرباء" ما يعرف بـ"الخطوط القلابة"، مؤكدًا أن ذلك يؤثر على قدرة شبكة الكهرباء في المحافظات، ويؤدي إلى انقطاعات متكررة ومستمرة في الخطوط المغذية.

ويذكر لبد أن لشركته "ديونًا مستحقة" على المواطنين، مبينًا أن الحديث يدور عن نحو 150 ألف مشترك، على كل منهم نحو 40 ألف شيكل، مشيرًا إلى أن الشركة تنفذ حملات تتضمن خصمًا من المبالغ المستحقة بنسب متفاوتة، في إطار تسهيل دفع الديون المتراكمة على المواطن.

مشاريع مقترحة لم تر النور

"إن أزمة الكهرباء قديمة جديدة، إنها تتفاقم عامًا بعد عام نتيجة عدم حلها جذريًّا"، الكلام هنا للمدير الإداري لسلطة الطاقة م. أحمد أبو العمرين، الذي يؤكد أن أصل المشكلة يعود إلى عدم توافر المصادر الكافية لتغطية احتياجات الغزيين من الكهرباء.

ويبين أبو العمرين لصحيفة "فلسطين" أن الأزمة ظهرت جليًّا وبدأت تتنامى منذ عام 2006م، عندما قصف الاحتلال الإسرائيلي محطة توليد الكهرباء في غزة، وبسبب الحصار المستمر على القطاع، قائلًا: "المصادر تقل بدلًا من زيادتها".

ويتابع: "في 2016م سجلنا أحمالًا تصل إلى أكثر من 450 ميجا وات في الوضع الطبيعي للقطاع، في حين أن المتوافر في أفضل الظروف لا يزيد على 190 ميجا وات، أي كمية الكهرباء الموجودة أقل من النصف، الأمر الذي ينعكس على برامج توزيع يصيبها الإرباك".

وينبه أبو العمرين إلى أن الوقود اللازم لتشغيل محطة التوليد مفروض عليه ضرائب: ضريبة (بلو) وضريبة القيمة المضافة وغيرها.

"إن مجموع الضرائب يصل إلى أكثر من ضعفي السعر الأصلي للوقود، وعند خصم 80% من ضريبة (بلو) كما هو معمول به حاليًّا يصل مجموع الضرائب المفروضة علينا إلى قرابة 40% من المبلغ المدفوع للوقود" يقول أبو العمرين، معقبًا: "بدلًا من الاستفادة من كامل المبالغ التي ندفعها للوقود قرابة 40% منها تذهب إلى الضرائب".

ويطالب حكومة رامي الحمد الله بإلغاء تلك الضرائب بالكامل، من أجل اشتراء وقود أكثر بالمبالغ التي تدفع للضرائب.

ماذا عن المشاريع المقترحة لحل أزمة الكهرباء؟، عن هذا السؤال يجيب: "قطعنا أشواطًا طويلة وكبيرة، ولكن _يا للأسف_ لم يصل الأمر إلى خطوات عملية وملموسة على الأرض"، مبينًا أن أهم تلك المشاريع مشروع مد خط إسرائيلي إضافي بجهد 161 كيلو فولت، "الذي يعد أسرع الحلول وأسهلها"، ويعطي قدرة 100 ميجا وات.

وافق الاحتلال الإسرائيلي في 2016م على المشروع، بحسب إفادة "أبو العمرين"، لكنه يعقب: "بقيت هناك عقبات من طرف حكومة الحمد الله، التي لم تعط الاحتلال الموافقة للبدء بالمشروع، وتحججوا بعدم وجود ضمانات لدفع الفاتورة للشركة الإسرائيلية، لكننا بدورنا أعطينا ضمانة كاملة لذلك، ونشرنا ذلك في الإعلام، لكن مازالت هناك مماطلة وتأخير من طرف الحكومة باتجاه تعطيل المشروع".

أما المشروع الثاني فهو مد خط غاز لإمداد محطة توليد الكهرباء بدلًا من الوقود السائل، وهو أقل تكلفة، وذو كفاءة أكبر، فضلًا عن أنه سيتيح المجال لمشروع آخر أكبر، وهو توسعة المحطة لتصل إلى إنتاج 560 ميجا وات، وفقًا لإفادة "أبو العمرين".

"لكن لا توجد إرادة دولية للبدء بالمشروع" يؤكد المسؤول في "الطاقة"، إلى جانب أسباب سياسية، وما يصفها بـ"مماطلة متعمدة" من حكومة الحمد الله في تذليل العقبات لإخراج المشروع إلى النور.

يلفت أبو العمرين إلى مشاريع أخرى وعدت بها الحكومة التركية، تتمثل بمشاريع الطاقة الشمسية، لكنها تحتاج لمزيد من الوقت لترى النور في غزة، معربًا عن أمله في تنفيذ تلك الوعود خلال عام 2017م.

ويختم كلامه: "لا توجد معطيات عملية لحلحلة الأزمة في الوقت الراهن"، لكنه يأمل أن ترى المشاريع المقترحة النور.


ضمن ملحق تصدره صحيفة فلسطين حول أهم أحداث 2016 فلسطينيًا