ينهمك الشاب الفلسطيني الذي يلقّب نفسه باسم "مراد الزواري" (27 عاماً)، في تصنيع طائرة ورقية، ليستخدمها لاحقاً، كأحد أدوات المقاومة الشعبية "السلمية" في مواجهة ترسانة الاحتلال الإسرائيلي العسكرية وتكنولوجيته قرب حدود غزة؛ ضمن مشاركته في مسيرة العودة وكسر الحصار.
بأدوات بدائية من الأخشاب والأوراق الخفيفة المُستعملة وقصاصات من الخيطان، يُصنّع الشاب الزواري تلك الطائرة، ليربط في ذيلها "فتيل" (قطعة من القماش)؛ كان قد غمّسه بوعاء يحتوي على "البنزين".
وقبيل إطلاقها في سماء حدود شرقي مخيم البريج، وسط قطاع غزة، يُشعل الزواري الفتيل بـ"النار"، لتصبح بذلك "طائرة حارقة".
وبدأ الشبان الفلسطينيون باستخدام الطائرات الورقية المشتعلة منذ الجمعة الثالثة من مسيرات العودة وكسر الحصار "السلمية".
وكانت صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية، قد زعمت إنه تم إرسال "مئات الطائرات الورقية الحارقة لـ(إسرائيل)، منذ نحو 5 أسابيع".
وادعت الصحيفة أن تلك الطائرات تسببت بإشعال النيران "في حوالي 800 دونم (الدونم ألف متر مربع) من الحقول الزراعية؛ ما تسبب بخسائر في الممتلكات تقدر قيمتها بحوالي نصف مليون شيكل (138 ألف دولار)".
وتصف الصحيفة تلك الطائرات بـ" "السلاح البدائي الجديد، التي استعصت قدرات التكنولوجيا العالية لجيش الاحتلال على التعامل معه حتى الآن".
مقاومة سلمية
ويقول "الزواري"، إن جيش الاحتلال "يشتري بالمردود المالي العائد من بيع تلك المحاصيل الزراعية، أسلحة عسكرية ليقتل بها المتظاهرين قرب حدود غزة".
ويضيف "الزواري" إن فكرة إحراق المحاصيل تأتي لمنع جيش الاحتلال من شراء الأسلحة وبالتالي منع الاعتداء على المتظاهرين، معتبراً ذلك أمراً بالغ "الأهمية".
ويبيّن أن استخدام الطائرات الورقية المشتعلة من إحدى أدوات المقاومة "الشعبية السلمية"، رافضاً توصيف بعض الناشطين العرب لها بـ"العنيفة".
ولفت إلى أن الأعراف الدولية تعتبر إلقاء الحجارة من أساليب المقاومة الشعبية (السلمية)، وإذن فشعلة النيران المحترقة التي يرسلها الشبان لتلتهم المحاصيل الزراعية، مقاومة "شعبية".
وأوضح الزواري أن الشبان وجدوا في الطائرات الورقية التي يمكن لها أن تصل إلى وسط الأراضي الزراعية المحتلة عام 48م، أداة مقاومة سلمية مبتكرة.
وقال:" تم استلهام فكرتها من هنا، أن الشبان الفلسطينيين يصعب عليهم الوصول إلى تلك الأراضي، فنجعل طائراتنا الورقية تغزوهم من الجو".
ويحرص "الزواري" أن يملك نحو 5 طائرات ورقية على الأقل، بشكل يومي، لافتاً إلى أنه يتم استخدامها في أي وقت كان خاصة في أوقات التي تكون فيها حركة الرياح باتجاه تلك الأراضي.
ويذكر أن استخدام الطائرات الورقية المشتعلة يوم الجمعة، تأخذ طابعاً خاصاً سيّما وأنها تُطلق وسط تجمعات شبابية وسكانية؛ فهي قادرة بأن تبعث فيهم "الشعور بالفخر"، على حدّ قوله.
استنزاف الاحتلال
ويعتبر "الزواري" أن الهدف الثاني من إحراق المحاصيل الزراعية تأتي من أجل استنزاف قدرات جيش الاحتلال قرب حدود غزة.
وقال في هذا السياق:" تجد جيش الاحتلال دائماً في حالة تأهب واستنفار كي يُخمد أي حريق قد تتسبب به الطائرات الورقية، وهذا أمر جيد بالنسبة لنا".
كما أن "الزواري" يرى من إحراق المحاصيل فرصة لتشتيت رؤية جيش الاحتلال للمتظاهرين الفلسطينيين، وإنهاكه على مستوييْن مختلفتين ( الحدود، و المحاصيل المحروقة).
التجربة الأولى
يلفت الزواري إلى أنه خلال الجمعة الثالثة من مسيرات العودة وكسر الحصار، تم إطلاق التجربة الأولى للطائرات الورقية المشتعلة، بعد موجة من التردد والخوف من فشلها.
وأشار إلى أن فكرة استخدام الطائرات الورقية بدأت من شرق مخيم البريج، وسط القطاع، وانتقلت بعد إثبات نجاحها إلى كافة مخيمات العودة الممتدة على طول السياج الفاصل.
ويتعرض الشبان الذين يحاولون إطلاق الطائرات الورقية المشتعلة لمحاولات استهداف الاحتلال مباشرة لهم، وفق الزواري.
ويوضح أن جيش الاحتلال تعمّد استهدافهم لأكثر من مرة من خلال "الإطلاق المباشر للرصاص الحي".
تكنولوجيا الاحتلال
ويعتبر "الزواري" أن كافة تصريحات الاحتلال التي تقول بأنه تم التوصل لتكنولوجيا من أجل وقف وصول تلك الطائرات إلى الأراضي المحتلة، هي محض "تصريحات كاذبة".
ويقول إن جيش الاحتلال يحاول "بث روح الهزيمة في الشباب الفلسطيني، من خلال إطلاق مثل تلك التصريحات؛ لكن نحن على قناعة بأنه لا يوجد أي تكنولوجيا بإمكانها الوقوف في وجه الأداة البدائية هذه (يشير إلى الطائرات الورقية)".
ومنذ نحو أسبوعين، استخدم الشباب الفلسطيني "البالونات" المعبّأة بغاز "الهيليوم"، والتي تعلّق فيها "فتيل قماشي مشتعل بالنيران"، لخدمة ذات الفكرة التي تخدمها الطائرات الورقية.
ويضيف:" لكن تكلفة شراء البالونات المعبّأة بالهيليوم أعلى من تكلفة تصنيع طائرة ورقية، لذا لاقت فكرة الطائرات الورقية رواجاً أكثر منها؛ خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي نعيشها بغزة".
ويلفت "الزواري" إن الشباب الفلسطيني لديه "القدرة على ابتكار الكثير من الأدوات البدائية، لمواجهة ترسانات الاحتلال العسكرية ، وكلّه في الإطار السلمي البحت".
ونقلت صحيفة "يديعوت أحرنوت" عن موشيه باروتشي، أحد حراس "الصندوق القومي اليهودي"، في منطقة النقب (جنوب فلسطين المحتلة)، قوله إن هذه الطائرات تسببت في الأسابيع القليلة الماضية بحرائق في حقول المنطقة نتج عنها خسائر بمئات آلاف الدولارات.
وقال باروتشي:" الأمر لا يتعلق فقط بالمال، إذ أن إعادة زراعة الغطاء النباتي في الحقول التي تم ترميدها سيستغرق عدة عقود ".
وأضاف:" نشهد هذه الظاهرة منذ عدة أسابيع، عشرات الحوادث تتراوح بين أربع وخمس طائرات ورقية في اليوم، ولا يتطلب الأمر سوى ما بين خمس وسبع طائرات لإحراق غابة".
وتابع:" الطائرات الورقية مرتجلة من النايلون، والقوالب البسيطة وتكلف فقط شيكل ونصف (أقل من نصف دولار) وكل ما عليهم فعله هو إرفاقها بزجاجة حارقة".
ولفت إلى أن "الصندوق القومي اليهودي"، الذي يدير مساحات شاسعة من الأراضي، لا يمتلك الوسائل للتعامل مع هذه الظاهرة".
من الناحية القانونية
بدوره يقول محمد صيام، الباحث في الشأن القانوني، إن "القانون الدولي كفل للدولة التي يتم احتلالها استخدام المقاومة المسلحة في إطار حركات التحرر ضد الاحتلال".
ويضيف صيام:" إن أي وسيلة يتم استخدامها للمقاومة فهي مشروعة ومتاحة ضمن القانون الدولي".
ويوضح أن الطائرات الورقية المشتعلة هي "أداة شعبية غير عنيفة؛ خاصة وأنها لا تشكّل أي خطر على حياة جنود الاحتلال أو مستوطنيه".
والأصل في توصيف "عنف" الأداة، غالباً، يكون إن "شكّلت خطراً على حياة الأشخاص، أو تسببت بإرهاب نفسي لهم؛ وهذان الأمران غير واردان كون المناطق الزراعية بعيدة جداً عن المناطق السكنية، وفق صيام.
في المقابل، قال صيام إن استخدام القوة المفرطة من قبل جيش الاحتلال لقمع المظاهرات الشعبية والسلمية، هو "أمر غير مبرر".
وتابع:" المسيرات تأخذ طابعاً سلمياً ومن منطلق القوانين والمواثيق الدولية التي كفلت حق التجمع السلمي، كالإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، فإن التجمع السلمي ضمن (مسيرة العودة) مشرع دولياً".
وأوضح أن مسيرة "العودة وكسر الحصار" تستند إلى قرار العودة رقم (194) والذي كفل للفلسطينيين العودة إلى أراضيهم التي هُجّروا منها، وهذا الأمر يرفع من درجة القانونية الدولية لتلك المسيرة.