قائمة الموقع

​"الخضر" معلمٌ أثريٌ دبّت فيه الروح بتحويله لمكتبة أطفال

2017-01-04T10:00:06+02:00
مقام الخضر الأثري - أرشيف

أصبح بإمكان طلبة مدارس غزة الابتدائية والإعدادية زيارة مقام "الخضر" الأثري في مدينة دير البلح، وسط قطاع غزة، بعدما رُمِم المعلم التاريخي وخُصصت بعض أجزائه كمكتبة للأطفال تضم إصدارات ثقافية في مجالات شتى.

في نهاية العام المنصرم، أعلنت وزارة السياحة والآثار الانتهاء من إعادة ترميم وتأهيل المقام الأثري بتكلفة بلغت 77 ألف دولار، وذلك بالتعاون مع جمعية نوى للثقافة والفنون ومركز إيوان في الجامعة الإسلامية، واللذين أحدثا نقلة حضارية كبيرة للمقام عقب صيانته.

وتبلغ مساحة المقام 360 مترا مظللة بثلاث قباب قديمة تحيط بها جدران من حجارة تاريخية، ويمكن النزول بسلم حجري لغرفة تتوسطها بلاطة منقوشة بالأحرف اليونانية يُعتقد أنها قبر القديس اليوناني "مار جرجس".

ويعود تاريخ المقام إلى القرن الثالث الميلادي، وهو يُعد أقدم دير لا يزال قائما في الأراضي الفلسطينية، وكان يُتخذ في القرون المنصرمة كملجأ للرهبان الفارين من قادة الوثنية الرومانية.

بث الحياة

رئيسة قسم الأبحاث والدراسات بوزارة الآثار هيام البيطار أوضحت أن عمليات ترميم المقام بدأت عام 2015، بينما انتهت المرحلة الأولى في مطلع 2016، وذلك بهدف الحفاظ على الطابع الأثري للمكان وصيانته من الخراب وحمايته من الاندثار فضلا عن بث الحياة في أرجائه.

وذكرت البيطار في حديثها لصحيفة "فلسطين "أن مراحل الترميم شملت صيانة الأجزاء المتهالكة من المبنى وتدعيم جدرانه الأثرية وقبابه العلوية، مع تجديد قشرة الجدران الداخلية والخارجية للمعلم، مشيرة إلى أن مقام الخضر يُعد أحد المعالم الأثرية التي تؤرخ لعدة عصور ومحطات قديمة.

وقالت: "أُنشئَ المقام في العهد البيزنطي الذي كان مفعما بالحركات المسيحية والرهبنة وإقامة الكنائس والأديرة"، مبينة أن الخضر هو الاسم المُتعارف عليه باللهجة العامية المحلية، أما أصل التسمية فهو "مار جرجس" وهو أحد القديسين المسيحيين، الذي صورته المسيحية بالرجل الذي يصارع الباطل.

ويوجد على أحد أعمدة الرواق الشرقي مقام الخضر نص عربي غير مكتمل مكتوب بالخط الكوفي، بما يشير إلى أن "يعقوب بن كلس هو من اقتطع أرض المقام"، وكذلك توجد لوحة أخرى مسطحة على الأرض مكتوب عليها باللغة الإغريقية القديمة أن هذا ضريح القديس "هيلاريون" الفار بدينه من الرومان.

وأشارت رئيسة قسم الأبحاث والدراسات إلى أن التقدم الزمني والتطور العمراني أزاحا الستار عن عناصر إسلامية داخل أزقة المقام من المحراب والمصلى والدواليب المستخدمة في الطقوس الدينية والعبادة، موضحة أنه في العصر الإسلامي أُضيف طابق علوي جديد وحُفظت جميع مرافق المبنى.

مكتبة ثقافية

ونُسجت حول مقام الخضر العديد من المعتقدات والأساطير، وحتى زمن غير بعيد كان بعض السكان يذبحون الذبائح في ساحة المقام، طالبين من الله أن يستجيب دعواتهم وأن يكرمهم بالرزق والأبناء والشفاء، حتى تدخلت وزارة السياحة والآثار في غزة وأوقفت تلك التصرفات.

وبينت البيطار أن الوزارة عملت على إعادة افتتاح المكان الأثري بعد صيانته، وإعادة تأهيل جميع مرافقه، وكذلك خصصته كمكتبة للأطفال تضم كتبا وقصصا تحكي عن تاريخ الشعب الفلسطيني وتراثه، وإصدارات علمية أخرى، بما يساهم في تعزيز معارف الأطفال وتهذيب أخلاقهم.

ولفتت البيطار إلى أن من أساليب الحفاظ على المعالم والمواقع التاريخية والأثرية تحويلها إلى معلم ثقافي، وذلك بهدف منع عمليات التخريب أو تركها دون رعاية وصيانة دورية.

وواجهت عملية ترميم المقام، التي استمرت قرابة عشرة أشهر، معيقا أساسيا يتمثل في افتقار قطاع غزة لمستلزمات إعادة الإعمار والتأهيل الخاصة بالمواقع والمعالم الأثرية أحد نتائج الحصار الإسرائيلي، قبل أن يتمكن القائمون على الترميم من إدخالها عبر معبر كرم أبو سالم التجاري.

ويُذكر أن الجدران الشرقية والجنوبية للمقام تعرضت لانهيارات كبيرة بفعل المنخفض الجوي العميق الذي ضرب القطاع شتاء 2010، وقد سبق ذلك حدوث تصدعات لجدرانه الداخلية؛ نتيجة تعرض بعض المنازل والأراضي الملاصقة للمقام لعمليات قصف خلال حرب 2009.

واستهدف الاحتلال خلال حروبه الثلاثة في السنوات الماضية غالبية المواقع الأثرية سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، حيث قدرت وزارة السياحة في غزة مجمل الخسائر المباشرة التي لحقت بالمباني الأثرية والتاريخية، نتيجة الحرب الأخيرة، صيف 2014 بما يزيد على 650 ألف دولار.

وتنصّ مجموعة من المواثيق والمعاهدات الدولية على حماية المباني والمواقع الأثرية والتي تمثل التراث الثقافي للشعوب، أثناء النزاعات والحروب والمسلحة، من خلال مؤسسات دولية تعنى بالآثار والتاريخ كمنظمة (يونسكو) ومركز التراث العالمي ومنظمة (الايكوموس).

اخبار ذات صلة