فلسطين أون لاين

وهكذا كان.. وقد هَزَّ (الفيديو) أركان الكيان


بعدما أَفْرَجَت كتائب الشهيد عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية حماس عن (الفيديو) المُكَوَّن من مَقْطَعين، والذي يظهر فيه ما يُوحي بأنه جَمْعٌ من ستة جنود من أسرى جيش العدو، وهم يغنّون بالعبرية: "عيد ميلاد آرون"، وقد تَحَلّقوا حول قالب من الحلوى للاحتفال بالذكرى الثالثة لأسر الجندي الصهيوني "شاؤول آرون"؛ جاء رد الفعل لدى عائلاتهم هستيريًّا.

من هنا بدأت عائلات هؤلاء الجنود الأسرى تطلق التصريحات التي تُشَكِّكُ في مِصداقية الحكومة ورئيسها بنيامين نتنياهو، الذين يُكَرِّرون أسطوانتهم التي تقول: "إن الحكومة تعمل كل ما تستطيع من أجل إعادة أبنائكم"، وينكرون حتى اللحظة عدد أسراهم أو رُتَبِهم العسكرية مع علمهم الدقيق بذلك، دون إعلان أنهم أحياء أو أنه قبض عليهم وهُمْ جرحى.

هذا هو ديدن العدو الذي تُعاني حكومته من انقسام حاد، وخلافات تتفاقم كل يوم بفعل الخِبرات الصادمة التي واجَهَها _ولم يَزَل_ جَيشهُم الذي كان لا يُهزم، وهو يواجه بالنار في الميدان رجالًا أشداء عقدوا العزم على إنجاز الظَفَر بإيمانهم بربهم، وبأس شعبهم، وسلاحهم البَتَّار، وإرادتهم التي ترتعد لهولها الجبال.

عائلة الضابط في قطعان قوات العدو السائبة "هدار غولدن" تُعلن أن رئيس حكومتهم بنيامين نتنياهو يرتعد هَلَعًا وهو يرفع الراية البيضاء أمام حركة حماس، وقد انقضى على غيابه ما يقارب العامين ونصف العام.

الرقابة العسكرية الصهيونية تَحظُرُ على "الإعلام العبري" التعاطي بأي شكل مع (فيديو) كتائب القسام، الذي بدأ فور بثّهِ ينقل حُمّى رُعْبٍ لا يتوقف في أوصال كيان المستوطنين.

ونشر هذا (الفيديو) قبل يوم واحد من انعقاد (الكابينيت) الصهيوني ليتحول إلى القضية رقم (1) على جدول أعماله، وقد أقر المجلس الوزاري المُصَغَّر في ختام جَلْسَتِهِ الخاصة التي عُقَدَت الأحد المنصرم في 2 كانون الثاني الجاري العديد من القرارات العقابية بِحَق أسرى حركة حماس حتى شُهَدائِها، في محاولةٍ بائِسَةٍ يائِسَةٍ للضغط على الحركة للإفراج عن الجنود الصهاينة الأسرى لَدَيها، وهو الذي لن يكون.

هذا في الوقت الذي أكَّدت فيه حماس أن الخطوات التي يتخذها العدو تَعبيرٌ عن عقلية دموية عنصرية انتقامية، لا تمارسها سوى العصابات التي تَعْمَلُ خارج القانون الدولي الإنساني، وأنها لن تَفُتَّ في عضد المقاومة أو تدفعها إلى التنازل عن أي من شروطها لِإبرام صفقة ثانية خالدة ومُشَرِّفة (وفاء الأحرار 2).

إن حركة حماس تمتلك خبرة مَعينٍ لا يَنْضُب من الدروس المستفادة في معارك المواجهات الدموية مع العدو، وهي التي تَفخرُ بأنها تقتلُ وتأسر جنود العدو وسط الميدان.

وقد أجادت حماس بإبداع عَزَّ نظيره في الجمع بين إدارة الشأن العام والمقاومة في الميدان، بعد أن منحها الشعب ثقته الغالية في الانتخابات التشريعية عام 2006 ميلادية، وهي التي أسرت الجندي الصهيوني غلعاد شاليط بعد 6 أشهر من تشكيل حكومتها، وأفشلت "كتائب القسام" كل محاولات العدو الاستخبارية الأمنية لمعرفة موقع أسره على مدار أكثر من 5 سنوات حتى رضوخه الكامل صاغرًا لجميع الشروط التي أَمْلَتها "الحركة" عَلَيْه، وكان وفد العدو يحاول بكل أساليب الخداع فرض شروطِهِ خلال مراحل التفاوض "الماراثوني" غير المباشر عبر "وسطاء" عرب وأجانب، حاوَلوا واهمين من جانبهم أيضًا خَلق أوهام لدى فريق التفاوض الذي مَثَّل "الحركة"، ولكنهم كانوا بكل الصبر والأناة وبُعد النظر والصمود يتجاوزون بثبات دومًا حقول الألغام واحدًا تلو الآخر، تلك التي زرعها القريب والغريب.

حاول العدو الإيحاء بأنه لن يُطلق سراح أكثر من 60 – 65 أسيرًا، وأن يكون جُلّهم ممن قاربت أحكامهم على الانتهاء، إلى جانب الادَّعاء أنه لن يسمح بتحرير من قتلوا مستوطنين أو جنودًا، أو ممن هم من القدس (فهي عاصمتهم الأبدية والموحَّدة، حسب ادعائهم)، أو من الأسرى من فلسطين التي احْتُلَّت عام 1948 ميلادية، أو من أصحاب المؤبدات، أو من الأسرى العرب، كان الفريق المُفاوِض يعلم نقاط قوة فريق العدو ونقاط ضعفه، ويَعي تمامًا أن الأسير شاليط في مأمن تام، وأن الشعب كله يلتف حول مقاومته الباسلة، وأن الأبواب مفتوحة على مداها لِأسر جنود جُدُد.

هكذا انتصر الرجال في ميدان التفاوض في كسر "مُحرَّمات" العدو جميعها واحدًا تلو الآخر، فحَرَّر في صفقة الأحرار الأولى الخالدة 1030 من الأسرى، عادوا إلى أحضان أهليهم وشَعبهم، ويواصلون اليوم درب الجهاد من جديد.

ويشيرُ كُثُرٌ من المراقبين إلى أن قادة العدو في اجتماع (الكابينيت) لم يناقشوا فقط ما أُعلن من إجراءات همجيّة، فقد سبق للعدو أن طبَّقَ ما هو أكثر منها وحشية، وإنما أيضًا كان البحث عن وسائل تُعيد جنودهم الأسرى بدفع الثمن.

حركة حماس أعلنت أنها لن تفتح باب التفاوض غير المباشر مرة أخرى حتى يستعيد كل أسرى صفقة وفاء الأحرار الأولى الذين أُعيدَ اعتقالهم مَرّة أخرى حريتهم، بضمانات دولية مُلزِمة للعدو، وأنها ستبدأ الصفقة الجديدة حيث انتهت العملية الأولى، وأن تلبية شروط المقاومة جميعًا هي الطريق الإجباري الوحيد للوصول إلى جنودهم.

وقد أكدت حركة حماس أن الأسرى في سجون العدو _وهم الأعز من أبناء هذا الشعب المُرابط_ على موعد أكيد مع الانعتاق والخلاص، وتَنَسُّمِ عبير الحرية عن قريب، إن شاء الله.