فلسطين أون لاين

مسيرة العودة.. "مُعلّم" الشباب الثائر

...
غزة - نسمة حمتو


منذ الثلاثين من مارس/ آذار الماضي، يبهر الفلسطينيون العالم بجرأتهم على الحدود الشرقية لقطاع غزة، في إطار مشاركتهم في مسيرة العودة الكبرى وكسر الحصار، فبينما رصاص جنود الاحتلال يتطاير في المكان، ودخان قنابل الغاز المسيل للدموع التي يطلقونها يملأ المكان، تجد الفلسطينيين محافظين على صمودهم وكأن شيئا لم يكن، وأكثر من ذلك أنهم يتقدمون نحو الحدود أكثر، وكأنهم بمشاركتهم في المسيرات أصبحوا أكثر قوة وصلابة في مواجهة جنود الاحتلال، فلا ترهبهم دباباته ولا أسلحته المحرمة دولياً، ووسيلتهم في الدفاع عن أنفسهم حجر صغير، وطائرة ورقة، وإطار "كوشوك".. فمن أين جاءت هذه القوة؟ وكيف أثّرت المسيرات في شخصيّة المشاركين في المواجهات؟ وماذا تعلّموا منها؟

لا شيء يرهبنا

أسعد مسعود (33 عامًا) أحد أعضاء "وحدة الكوشوك"، يتوجه بشكل يومي إلى مخيمات العودة، ويقضي نهاره كاملاً على الحدود، قال عن مشاركته: "هذه المسيرات زادت من قوتنا، وبلورت شخصياتنا بدرجة كبير، فازددنا صمودًا في وجه الاحتلال، على الرغم من إصابة واستشهاد عددٍ من أصدقائنا"، مضيفا: "إذا أصيب منّا واحدٌ، يأتي بدلاً منه 20، ليسدوا الفراغ الناتج عن رحيله".

وأضاف لـ"فلسطين": "على قدر ما يمتلك الاحتلال من أسلحة، نحصن أنفسنا، جنوده يخافون أكثر خوفنا نحن العزّل، فالحجر يرهبهم، لذا فإننا لا نكل ولا نمل من ابتكار الوسائل السلمية لمواجهته، وهذا جعلنا نعيش تجارب جديدة كان لها بالغ الأثر على شخصياتنا".

وعن تأثير مشاركته في المظاهرات على شخصيته، أوضح مسعود: "كلما شاركنا في قتال العدو، زادت شخصياتنا قوة بفضل الله، فالآن لا شيء يرهبنا، لا يوجد شيء أصعب من أن تقاوم عدو لك يمكن أن يطلق عليك النار في أي لحظة، فأنت لا تحمل سوى حجر لمقاومته، بينما هو يمتلك أبشع أنواع الأسئلة التي تتسبب في حالات بتر وتهتك لجميع أعضاء الجسم".

دروس المسيرة

لم يختلف هذا الاندفاع والقوة عند الشاب عارف أبو ظرينة (32 عامًا)، هو عضو في "وحدة السلك الزائل"، يستيقظ كل يوم في الساعة السادسة صباحًا، ينطلق مسرعًا نحو مخيم العودة شرقي مدينة غزة، ليقضي فيه يومه كاملًا.

قال عارف عن مشاركته في مسيرات العودة: "نقضي يومنا كله هنا، نمارس حياتنا بشكل طبيعي، حتى أننا نجهّز ما نحتاجه من الطعام والشراب، نفعل كل هذا لهدف واحد، هو أن نكون بجانب أرضنا التي سُلبت منا، هنا نتعرض للرصاص الحي والمتفجر، نُصاب وتبتر أقدام الكثيرين، ويستشهد أحبتنا، ولكننا رغم كل هذا لن نتوقف عمّا بدأناه".

وأضاف: "لقد أصبحنا أكثر قوة في مواجهة الاحتلال، حتى أننا عندما نجتاز السلك الزائل لا ترهبنا الدبابات ولا الأسلحة المستخدمة رغم قوتها".

وتابع: "علّمتني في هذه المواجهات أن أكون أكثر قوة وصلابة في حياتي بشكل عام، مسيرة العودة أعطتني دروسًا لم أتعلمها في المدارس ولا في الحياة".

نحن وأبناؤنا

القوة التي يمتلكها الشباب في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي كبيرة جداً، لدرجة أن بعض الشباب اجتازوا الحدود وركضوا خلف جيبات جيش الاحتلال، ففر جنوده خوفًا من الأحجار، كما ظهر في مقطعٍ تم تصويره في الجمعة الأخيرة من مسيرات العودة.

محمد جعرور (32 عامًا)، واحد ٌمن الشباب الذين اجتازوا السلك، قال: "منذ الثلاثين من آذار/ مارس الماضي، وأنا أشارك في مخيمات العودة، لم أغب يومًا عنها، نحن أصحاب حق وأرض، ومن واجبنا أن نقدم الغالي والنفيس حتى نسترد الأرض ونحقق العودة".

وأضاف: "كل يوم يقدم هذا الشباب الثائر الشهداء والجرحى، والكثير من الشباب الذين أصيبوا في المواجهات يعودون بعد إصابتهم لمواصلة نضالهم ضد الاحتلال، ذلك لأن مخيمات العودة عملّتنا كيف نزيد عزيمتنا وإرادتنا في مواجهة المحتل".

وتابع: "تعلمنا الدروس نحن وأبناؤنا، فما تحلينا به من قوة بعد مشاركتنا في المسيرات، نقلناه إلى أبنائنا، نحن نتفق معهم على مواصلة التصدي لآلة البطش الصهيوني بصدورهم العارية".

تأثيرٌ عكسي

الشاب محمد أبو خاطر (23 عامًا)، أحد أفراد وحدة الطائرات الورقية، قال: "استخدموا كل الطرق معنا لترهيبنا، ولكن القوة أثّرت فينا بشكل عكسي، أرادوا أن يخيفونا بها، لكنها دفعتنا للإبداع في الوسائل المُستخدمة ضده، يكفي أن الطائرات الورقية تسببت في خسائر بملايين الشواكل".

وأضاف: "بالتأكيد، مخيمات العودة زادتنا جرأة في مواجهة جيش الاحتلال، رغم أننا في مكان أشبه بالصحراء من حيث عدم وجود مكان نحتمي فيه، بينما جنود الاحتلال يختبئون خلف سواتر رملية، نحن الشعب الوحيد الذي لا يعرف الخوف".

لتوضيح حجم القوة التي استمدها الشباب من مشاركتهم في المسيرات، تحدّث أبو خاطر عن مشهد أبهره في الجمعة الأخيرة، وقد كان أحد شهود العيان عليه: "قصّ الشباب السلك الزائل، وانطلقوا نحو الجانب الآخر من الحدود، يلاحقون مركبة لجيش الاحتلال، ففر سائقها والجنود الستة الذين كانوا معه".

ووصف ذلك بأنه: "إنجاز كبير لنا، الجميع انبهر مما حدث الجمعة الماضية".

النساء أيضًا

الاستبسال في الدفاع عن الأرض والوطن ليس دور الشباب الثائر فقط، فهناك الكثير من النساء اللواتي شاركن في مخيمات العودة جنباً إلى جنب مع الرجال، وهذا ما قامت به "عطاف وادي" (55 عامًا) من بلدة بيت دراس، تجدها مع الشباب المحتشدين عند السلك الشائك.

قالت لـ"فلسطين": "هذا السلك يجب ألّا يكون موجودًا، فهذه الأرض لفلسطين، هُجرنا من أرضنا في عام 1948، وأقرت الأمم المتحدة قرارات تقضي بأحقيتنا في العودة لأرضنا".

وأضافت: "للأسف، لا أحد يقف معنا في نضالنا، ولكننا بقوتنا وإرادتنا وسلميتنا سندحر الاحتلال، ولذا كان لزامًا علينا أن نستمد القوة من مسيرة العودة، وأن نأخذ منها ما يكفينا من الدروس لنستمر في المقاومة".

وتابعت: "المسيرة أثبتت أن الشعب الفلسطيني قادر على استرداد أرضه بالمقلاع وبالطائرات الورقية، فبعد أن شارك الشباب في المسيرة، تعلّموا الإبداع في ابتكار وسائل جديدة للمقاومة السلمية".

وواصلت: "هذا إلى جانب القوة التي نستمدها من مشاركتنا، ففي كل جمعة نزداد قوة".

مما تعلمته وادي، أن كل فلسطيني يقاوم بما يستطيع، لذا فهي تدعم صمود الشباب بطريقتها، إذ تقدّم لهم الشاي والقهوة، وأحياناً العصائر، وبالإضافة إلى ذلك، فهي لا تتوانى عن مساعدة الشباب في إشعال إطارات "الكوشوك، ولرغبتها في مساعدة الشباب في كل شيء، جرّبت رمي الحجار بالمقلاع تجاه جنود الاحتلال.

وأوضحت: "كان عمري أربع سنوات عندما بدأت حرب 1967، وحتى الآن أتذكر كل تفاصيلها، وكيف كان الاحتلال يلقي علينا القنابل، وهذا ما جعلني جريئة في الوصول إلى السلك الزائل، وبعد الوصول إليه اكتسب المزيد من القوة".

وبيّنت: "عندما شاهدت الشباب وجرأتهم في مقاومة الاحتلال، تعلمت منهم كيف أكون أكثر قوة، هذه المسيرات علمتني أشياء جديدة كالقوة وعدم الخوف من الاحتلال، لأنه جبان".

وقالت وادي: "نساء غزة دائماً في الواجهة، وفي ساعة المواجهة مع الاحتلال، تكون الواحدة منّا بمائة رجل، لأننا على حق"، مضيفة: "الأم الفلسطينية ولّادة، لا تنجب إلّا الشجعان، كل طفل فلسطيني ينشأ على معرفة أن (إسرائيل) عدوٌ لنا".