لا أحد يستطيع أن ينكر أن خيار المصالحة الفلسطينية هو أفضل الخيارات وأقلها تكلفة، ولكن الرئيس عباس أكد على المؤكد، وجعله ثابتاً من الثوابت الوطنية وهو نداؤه المتكرر لحماس: (يا بأشيل يا بتشيلوا)، ويقصد في تلك المقولة إما أن تتحمل حماس كل المسئولية أو أن يتحمل الرئيس وحكومته المسئولية عن كل شيء، بمعنى استلام كل شيء فوق الأرض وتحت الأرض وحل كافة "المليشيات المسلحة" بما يضمن سلاحا واحدا وسلطة واحدة، وهذه وصفة سحرية لإفشال المصالحة قبل أن تبدأ، كون حركة حماس في حال قررت التخلي عن سلاحها، تستطيع الذهاب فوراً للرباعية الدولية والاعتراف بشروطها، حينها سيعترف العالم بحماس وترفع عن قوائم الإرهاب وتتدفق الأموال والمساعدات، ويفرش البساط الأحمر للسيد إسماعيل هنية ولباقي قيادات الحركة.
على صعيد الإجراءات العقابية على قطاع غزة لمح الرئيس عباس إلى بقائها، وهو ما أثار خيبة أمل لدى الجماهير الفلسطينية الذين رفعوا سقف التوقعات بقرب حدوث انفراجة في ملف الرواتب أكد عليها الناطق باسم فتح عاطف ابو سيف، وعضوا اللجنة المركزية محمود العالول وعباس زكي، ورغم أن وسائل الإعلام بدأت بنقل خبر عن قرب الرواتب، وهو ما نتمناه وندعو إليه منذ اليوم الأول للعقوبات إلا أن ما نخشاه ثبات نسبة 70% من الراتب بالإضافة لبقاء باقي العقوبات.
السؤال المطروح ضمن عرض الرئيس عباس لحركة حماس لتحمل مسئولياتها.... ما هو الرد الحمساوي المحتمل على هذا العرض....؟
أمام حماس ثلاث إجابات هي:
1. الصمت وانتظار مرحلة ما بعد عباس، وهذا يعني بقاء الواقع على ما هو عليه.
2. أن تخرج حماس وتقول للرئيس عباس، لقد انتهت ولايتك القانونية ونحن جاهزون لتحمل المسئولية في كل أراضي السلطة الفلسطينية، وتبدأ حركة حماس بالتعاون والتنسيق مع كتلة التيار الاصلاحي الديمقراطي في حركة فتح بعقد جلسة برلمانية سيحضرها الثلثان، والعمل على انتخاب رئيس جديد للمجلس التشريعي وهنا تقدم حماس تنازلاً لشخصية مستقلة مقبولة دولياً لإدارة السلطة لمرحلة انتقالية ثم تعقد انتخابات ويتم التوافق على رئيس جديد، وهذا الطرح لن تقبله السلطة وبذلك قد يرسخ في قطاع غزة ويبدأ صراع شرعيات يضر ببنية النظام السياسي.
3. بما أن قاعدة المصالحة لدى الرئيس محمود عباس تقوم على مرتكز ذكره بالخطاب: (يا بتشيل يا بشيل)، وهو مرتكز يؤسس لعملية إقصاء لا شراكة سياسية، ويؤسس أيضاً لانفصال قطاع غزة عن الوطن، قد تطرح حماس تساؤلاً للرئيس عباس: ماذا لو وافقت حماس على تحمل المسئولية تجاه سكان قطاع غزة، هل سيمنح الرئيس عباس قطاع غزة ما له وما عليه من حقوق وواجبات..؟ هل ستحصل حماس على مليار وثلاثمائة مليون دولار سنوياً من المقاصة، وعشرات الملايين من الشركات الكبرى مثل: جوال والوطنية وباديكو..؟ ونصيب قطاع غزة من المساعدات والمنح...؟ وحصة غزة من الغاز الطبيعي في عرض البحر..؟ فإن كانت الإجابة نعم ستكون حماس جاهزة لإدارة قطاع غزة بكل حقوقه وواجباته، والانتظار لمرحلة ما بعد عباس لعودة توحيد النظام السياسي الفلسطيني.
الخلاصة: لو تأملنا قليلاً في الخطاب الإعلامي الفلسطيني سنجد أن مسارات واتجاهات كافة الخيارات هنا وهناك تؤسس للانفصال وتعزيز الانقسام وإضعاف المشروع الوطني التحرري، لذا فإن المطلوب في تلك الحالة تغليب لغة العقل والحكمة للنهوض بالمشروع الوطني الفلسطيني من خلال تشكيل لجنة حكماء تعمل على تصفير المشاكل وإنهاء كل تداعيات الانقسام وتطبيق أمين لاتفاقيات المصالحة، فذلك أقصر الطرق وغير ذلك ستكون إسرائيل والإدارة الأمريكية هي الكاسب الأكبر وتزداد فرص تطبيق صفقة القرن.