تعلم قيادة فتح أن آخر مجلس وطني عادي عُقد بالجزائر في الدورة العشرين خلال 23-28 سبتمبر/أيلول 1991. أما اجتماع المجلس الذي عُقد في غزة تحت الاحتلال في أبريل/نيسان 1996؛ فكان هدفه إلغاء معظم بنود الميثاق الوطني الفلسطيني الذي بُنيت المنظمة على أساسه، وكذلك الاجتماع "الاحتفالي" الذي عقده المجلس تحت الاحتلال في 14 ديسمبر/كانون الأول 1998 -بحضور الرئيس بيل كلينتون- لـ"يبارك" أعضاؤه إلغاء بنود الميثاق.
أما اللقاء الطارئ الذي عُقد تحت الاحتلال برام الله في 25 أغسطس/آب 2009 بحضور أقل من نصف الأعضاء (325 من أصل ما يزيد على 700 عضو)؛ فقد كان لتنفيذ طلب واحد هو استكمال أعضاء اللجنة التنفيذية، بعد شغور ستة مقاعد بالوفاة.
يفترض أن يجتمع المجلس الوطني كلَّ عام، ويفترض أن تتجدد عضويته كلّ ثلاثة أعوام، ولم تتجدد عضويته منذ سنة 1996؛ وحتى في تلك السنة فإنه تمّت إضافة نحو 350 عضوًا إلى الـ450 عضوًا السابقين، دونما معايير حقيقية أو إجراءات سليمة.
وحسب المعلومات المتوفرة (وربما تحتاج إلى تأكيد رسمي) فقد بقي على قيد الحياة حتى الآن 691 عضوًا، منهم 374 في الضفة الغربية، و130 في قطاع غزة، و60 في الأردن، و83 في باقي الدول العربية، و44 في باقي دول العالم؛ أي أن عدد الممثلين عن الداخل الفلسطيني هو 504 أعضاء يشكلون نحو 73% من مجموع الأعضاء.
وهو ما لا يعكس التوازن بين الداخل والخارج، كما يفتقر إلى التوازن في الفئات العمرية حيث يصل المعدل العمري لأعضاء المجلس إلى نحو 72 عامًا، مع كامل الاحترام والتقدير للأعضاء من كبار السن؛ مع العلم بأن نحو 80% من أبناء الشعب الفلسطيني هم دون أربعين عامًا.
وبالتالي؛ فنحن نتحدث عن مجلس فاقد للصلاحية وفاقد للأهلية، خصوصًا بعد انقضاء مدته الرسمية، وبعد التوافق الفلسطيني العام على تغييره واستبداله.
ثمة إصرار كبير على عقد المجلس الوطني في رام الله تحت الاحتلال الإسرائيلي. ولا ندري كيف نتحدث عن "القرار الوطني الفلسطيني المستقل" وحمايته، والمجلس يُعقد في ظروف وأوضاع كهذه؟! ولماذا إصرار قيادة فتح على عقده هناك وهي تعلم أن الكثير من ممثلي الشعب الفلسطيني يرفضون أن ينعقد المجلس الذي يُمثل شعبهم تحت الاحتلال.
هذا بالإضافة إلى أن كثيرين لا يستطيعون القدوم إلى رام الله. إن مثل هذا القرار من قيادة فتح، هو ضمنيًا قرارٌ مسبق بعقده للأعضاء الذين يتوافقون مع مسار أوسلو، أو ممن يوافق الاحتلال الإسرائيلي على دخولهم. ولا يوفر أي بيئة مناسبة لإعادة بناء منظمة التحرير وتفعيل مؤسساتها، ولا لتحقيق الشراكة الوطنية.
كما كان متوقعًا؛ فقد لقيت الدعوة إلى عقد المجلس في 30 أبريل/نيسان 2018 رفضًا واسعًا من حماس والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية والكثير من الرموز والمستقلين.
وبالتالي؛ فإن عقد المجلس يكرَّس حالة الانقسام الفلسطيني، ويزيد تشرذمها، ويضرب آمال إصلاح منظمة التحرير في الصميم؛ ويعمَّق الشعور بإصرار قيادة فتح على الهيمنة. ورغم رفض أكثر من مئة من أعضاء المجلس نفسه لانعقاده بهذا الشكل؛ فقد تابعت الجهات المعنية إجراءات عقد المجلس.
والملاحظ أن قيادات فتح والمقربين منها يتحدثون عن ضرورة عقد المجلس لمواجهة "التحديات التي تعصف بالقضية"، ومواجهة صفقة القرن... وغيرها، وهو ما يثير بالفعل حالة استغراب كبيرة. فكيف يمكن مواجهة المخاطر الهائلة التي تواجه القضية بمجلس عاجز يُعقد تحت الاحتلال، ويفتقد التمثيل الحقيقي والشرعية الحقيقية، وبهيمنة فصيل واحد يستأثر بالقيادة ويُهمش الآخرين؟!
ولماذا استخدمت قيادة فتح أساليب الضغط المالي، والتهديد بإيقاف مخصصات بعض الفصائل، أداةً لتطويع الفصائل المعارضة داخل منظمة التحرير. وكيف يمكن مواجهة التحديات بمزيد من الضعف والتشرذم؟!
إن ما تفعله قيادة منظمة التحرير الحالية في الواقع هو مزيد من تشديد قبضة حركة فتح على المنظمة، وتوفير الترتيبات التي تحتاجها لملء الفراغات الناتجة عن العجز أو الوفاة في اللجنة التنفيذية للمنظمة، وتجهيز الترتيبات اللازمة لما بعد عباس في حال شغور مكانه بالوفاة.
وباختصار؛ فإن المجلس الذي يُصرُّ عباس على عقده هو "مجلس فتح" التي يقودها؛ وسيظل يعاني من شرعية منقوصة ومصطنعة، ولا تُعبر عن الإرادة الشعبية الفلسطينية. ومجلس كهذا لا يمكن أن يتحمل أعباء المشروع الوطني الفلسطيني، ولا مواجهة المخاطر المحدقة به.