فلسطين أون لاين

مثنى و ثلاث و رباع!

...
صورة تعبيرية
​بقلم/ أمل يونس

في زمن المتغيرات بات البعض لا يفهم من الثوابت إلا بعض الكلمات، ألصقها برأسه دون أن يعيها. لاحظت في مجتمعي الوقور كثيرا من الرجال يحفظون من الشرع ما يروق لهم، ومن الكتاب آية، بل جزءا منها يوافق أهواءهم، ويتماشى مع رغباتهم. دقق النظر في أولئك، حفظوا ثلاث كلمات من آية كريمة (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَىٰ فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ، فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً) لم ينتبهوا ربما لأنفسهم قبل أن يذكروا هذه الآية على مسامع المجتمع، كتوقيع لهم على ما يريدون الإقدام عليه، فلنستبين بعض خبايا النفوس قبل الولوج إلى حيز التوقيع:

هل أقمت العدل في بيتك بواحدة فقط قبل أن تأتي بفرع آخر يا سيدي الرجل؟

كثير من الأزواج يستخدمون هذه الآية الكريمة كسيف مسلط على رقاب الزوجة الأولى، حيث يعاملها بقسوة وجفاء وحرمان، لا يدري شيئا عن معاملة الرسول لزوجاته، لم يكلف خاطره، ويدق بيت النبوة من خلال سيرة الرسول صلى الله عليه و سلم، لم يعِ شيئا من سورة النساء. امنح الآخرين حقوقهم كي تنال حقوقك، للأسف الشديد نجد في مجتمعنا الذكوري المتسلط، أشباه الرجال الذين يدمرون أسرهم لمجرد غطرسة أو استخدام سلطة و نفوذ... أعدلت في بيتك وأقمت فيه الحب يا سيدي وفشلت؟ هل احتويت أبناءك وزوجتك وأغدقت عليهم من حبك وعطائك وحنانك وخذلوك؟ هل سلكت كل الطرق لإصلاح نفسك و هم تناسوا؟ لا أظن أن مجتمعنا الذكوري ينظر باتجاه الرجل، حيث ينصحه أو يوجهه لإصلاح نفسه و تهذيبها، بل بكل ثقة يطلق قذائفه باتجاه الزوجة، حيث هي المقصرة ، هي الملومة، هي التي وجب عليها أن تتغير، هي...

ولربما حاولت الزوجة كل الطرق وحاولت، و لم يرض ذلك طموح الزوج الملائكي... هل كانت الزوجة بشرا و الزوج من فصيل الملائكة مثلا ؟! لا و الله ، بل هناك زوجات لا يستحقهن أزواجهن، تحيا بصبر و إيمان ، تعامله بما يرضي الله ، تربي أبناءه وتحفظ عرضه... بمقابل كل هذا لا يسمعها كلمة طيبة، عابس في وجهها طيلة الوقت، لا نقاش و لا حوار، و إلا فهي متمردة ، حرمان، و إلا طالتها المعايرة بأنها أفضل من غيرها، بإمكان الزوج الابتسام في كل مكان ،لأصدقائه، للغرباء، إلا زوجته، و لا أريد نعتها بالمسكينة، لأني أعتقد أن هذا الزوج هو المسكين ، حيث إنه لم يستطع أن يحتوي بيته، لم يكن بمقدوره إشباع قلبه من حب زوجته وأبنائه، بل ظل حبيس أهواء، و تابع كلمات من هنا وهناك...

كثير من ذهب بقدميه للمثنى والثلاث وهو لا يمتلك بيتا ولم يوفر لأبنائه حياة كالباقين، ذهب بأنانيته باتجاه نفسه، لم يفكر بأي شيء خلفه، يقوده عرض الدنيا، و ربما نزعة التسلط لديه، نحن نتحدث في مضمار من لم يقم العدل في بيته، و ليس بحاجة لزوجة أخرى لربما بوضعه الحالي، فالمتوفر لديه لا يمتلكه آخرون، الشرع أحل الزواج لغاية، وللقادر على إقامة العدل ، فكيف بمن لم يجد إقامته مع واحدة، كيف بمن يهجر أبناءه بمجرد ارتباطه؟ أعتقد بأن الحقوق توهب لمن يؤدي الواجبات...

حين يحدثك رجل عن تقصير من زوجته، هل رأى نفسه كاملا؟ هل حاول أن يسأل زوجته عما لا يعجبها فيه؟

أشك بذلك! فالرجال ملائكيون عندنا لدرجة أنه يعتقد أنه لا يخطئ، لماذا يستخدم الرجل حقه الشرعي بالزواج، ولا يخبر زوجته بزواجه مثلا! ؟ أليس من حقها الشرعي أيضا أن تعلم بذلك؟ لماذا يقف المجتمع ضد المرأة في استخدام حقها الشرعي بالطلاق، و يناصر الرجل بحقه الشرعي بالزواج !؟

السؤال هنا ، هل الأبناء في ظل زوجين متنافرين يعيشون حياة مستقرة و صحية ؟

ربما جنى المجتمع على كثير من الأبناء بكلمة (اصبري بكرة بتغير، بنت الأصول بتتحمل وبكرة بيحطك على راسه)... مجتمعي العزيز، للصبر حدود .