فلسطين أون لاين

​"الشباب الفلسطيني الثائر" يتقدم مسيرة العودة في الجمعة الخامسة

...
شبان يضعون سواتر ترابية تحميهم من قناصة الاحتلال شرق البريج أمس (تصوير / ياسر فتحي)
البريج - نور الدين صالح

على بُعد أقل من مائة متر عن السياج الفاصل شرق مخيم البريج، يقف الشاب عيسى النباهين (19 عامًا)، إلى جانب عشرات الشبان الذين يعدون السواتر الرملية؛ لحمايتهم من رصاص جيش الاحتلال الإسرائيلي.

وأمام أعين جنود الاحتلال يُصر الشاب النباهين على إعلاء السواتر أكثر فأكثر، في محاولة منهم لحماية المتظاهرين من كلا الجنسين ومن جميع أطياف شعبنا، وخاصة الشبان الذين يتقدمون شيئًا فشيئًا لإزالة السياج الفاصل والشائك.

وينهمك النباهين في تعبئة أكياس الرمل ورصّ أكبر عدد منها لتشكيل السواتر الرملية، التي اعتادت آليات الاحتلال على هدمها يوميًا خلال توغلها لعدة أمتار للأطراف الشرقية للمخيم الواقع شرق المحافظة الوسطى.

ويقول النباهين والعرق يتصبب من جبينه، على إثر المجهود الذي بذله في العمل، "كل يوم نأتي إلى هنا لعمل السواتر، بعدما تهدمها آليات الاحتلال".

ويضيف لمراسل صحيفة "فلسطين"، إننا "نعمل هذه السواتر من أجل التشويش على قناصة الاحتلال، وعدم تمكينها من إصابة الشبان أو المتظاهرين السلميين الذين يتوافدون يوميًا لمخيم العودة".

ويقطع النباهين حديثه حينما جاء له أحد أصدقائه يطلب منه التوجه إلى السيارة المُحملة بإطارات السيارات "الكوشوك"، لوضعها قرب السياج وإشعالها، وحينها لفت ابن التاسعة عشرة وجهه قائلًا: "اليوم سنفتح البوابة ونقطع السياج وندخل لأرضنا المحتلة بإذن المولى".

كان الفتى محمد أبو سعدة (16 عامًا) هو الآخر يهيئ نفسه قبل بدء المواجهات بلحظات على طريقته الخاصة، عبر جمع بعض الأحجار لرجمها نحو جنود الاحتلال الذين وصفهم بـ"الجبناء"، ويعتلون السواتر الرملية خلف السياج.

ويحمل أبو سعدة بين يديه "المقلاع" الذي يُستخدم لإلقاء الحجارة نحو الاحتلال، فيقول بحماسة: "أنا جاي هان من أجل أرضنا ووطنا الذي هُجر منه أجدادنا عام 48 على أيدي قوات الاحتلال".

وخلال حديثه مع مراسل "فلسطين" يحدق نظره نحو السياج الفاصل، مرددًا: "مسيرتنا سلمية، وجئنا لنُعيد أرضنا المسلوبة؛ لكن الاحتلال لم يعطِنا اعتبارًا ولم يحترمنا، لذلك عليه الرحيل".

وبصوت تملؤه القوة يتحدث أبو سعدة: "سنبقى هنا مشاركين في مسيرات العودة، حتى لو مُزقت أشلاؤنا".

يُؤشر بيده اليسرى على الأخرى اليمنى التي يمسك بها "المقلاع"، "بهذه الوسيلة وغيرها من الوسائل البدائية سنُعيد بلادنا المحتلة، لذلك أنا أنصح الاحتلال بالخروج من أرضنا، قبل أن نخرجهم غصب عنهم"، يقول أبو سعدة.

بضع دقائق حتى أحضر عشرات الشبان إطارات السيارات التالفة التي جلبتها "وحدة الكوشوك"، ووضعوها على بُعد أقل من 200 متر من السياج الفاصل، وبدؤوا بإشعالها، للتشويه على قناصة الاحتلال التي ترصد تحركات المواطنين، وتحاول تفريق تجمعاتهم السلمية.

اشتعلت الإطارات وعجّت السماء شرق البريج باللون الأسود، وبدأ الشبان يهتفون بصوت عالٍ شعارات تدلل على تمسكهم بحق العودة، فيما رّد جنود الاحتلال بإطلاق وابل من الرصاص الحي والغاز المسيل للدموع، صوب المتظاهرين.

كان الشاب نور الخالدي (18 عامًا) يقف خلف الإطارات المشتعلة، وهو يلف جبينه بعصبة الكوفية الفلسطينية التي تتوشح باللونين الأبيض والأسود، ويحمل بيده "كوشوك" و"مقلاع"، ويحاول الاقتراب أكثر من السياج.

وبدت على الخالدي علامات الإصرار والعزيمة، وهو يقول: "سنقاوم الاحتلال بكل الوسائل التي نتملكها، مهما كلفنا الثمن حتى نعيد أرضنا المحتلة".

ويؤكد الخالدي الذي اعتاد المشاركة في مسيرة العودة السلمية كل جمعة، أنه سيبذل كل ما يملك من قوة، لمواجهة الاحتلال، حتى تحقيق حلمه بالعودة.

هكذا كان مشهد القوة والحماسة التي امتلكها الشبان والمتظاهرون المشاركين في مسيرة العودة السلمية في الجمعة الخامسة، التي أطلقت عليها الهيئة الوطنية العليا لمسيرة العودة اسم "الشباب الفلسطيني الثائر".

وانطلقت مسيرة العودة وكسر الحصار في 30 من الشهر الماضي، بالتزامن مع إحياء الذكرى الـ 42 ليوم الأرض الفلسطيني، فيما من المتوقع أن تصل ذروتها في الخامس عشر من الشهر المقبل، تزامنًا مع الذكرى السبعين للنكبة الفلسطينية.