فلسطين أون لاين

​على الحدود.. الزيارة الأولى تسبب "الإدمان"

...
غزة - مريم الشوبكي

عندما تحارب الخوف الذي في داخلك وتتشجع لزيارة مخيمات العودة المنتشرة على الشريط الحدودي لقطاع غزة، على الأغلب ستشعر بأن شيئًا يدفعك نحو المسير قُدمًا لتشاهد عن قرب السياج الذي يفصل القطاع عن الأراضي المحتلة عام 1948.

هذا ما حدث تماما مع "سهام محيسن" و"نهال المغني" اللتين جاءتا مع عصبة من النساء دفعهن الفضول لزيارة مخيم العودة المقام في موقع "ملكة" الحدودي شرق مدينة غزة، وكانتا الوحيدتن من هذا الفريق النسائي اللتين تجرأتا على الاقتراب من "نقطة الصفر" بعد أن هزمتا الخوف.

لا إرادي

تقف "سهام" على "تلّة" عالية، وفي المنطقة المقابلة لها خلف السياج الفاصل يتمركز قناصة الاحتلال، وبينما هي على هذه الحال، تقول لـ"فلسطين": "منذ فترة أتمنى المجيء إلى هذا المكان لأمتع نظري بمشاهدة أراضينا التي يحتلها الإسرائيليون ويمنعوننا من زيارتها، ولا أخفي عليكِ، لقد تملكني الخوف من رصاص الاحتلال في بداية الأمر".

وتضيف: "وأثناء سيري مع صديقتي نهال واقترابنا رويدا رويدا من السلك الشائك تلاشى الخوف من قلبي، وشعرت أني أندفع لا إراديًا نحو الحدود ورؤية جنود الاحتلال الذين لا يتوانون عن قتل الفلسطينيين".

وتتابع: "اقتربت كثيرا من السلك الشائك، وكنت أريد الوصول إليه ولكن منعني الشبان هناك؛ لأن من يقترب من السلك سيلقى وابلا من قنابل الغاز والرصاص الحي، يطلقه جنود الاحتلال المتمركزون على الطرف الآخر من الحدود".

وتؤكد سهام، التي تقطن في حي الشجاعية، أن حب الوطن ليس مجرد شعارات، بل يجري مجرى الدم في عروق كل فلسطيني، والعودة إليه حقٌ محتوم لا يتحقق إلا إذا توحد الفلسطينيون.

وتوضح: "الوطن لن يعود إلا إذا تخلى كل واحد فينا عن الخوف الذي في داخله من مواجهة المحتل الجبان الذي يختبئ خلف أسلحته الفتاكة ويجابه شعبًا أعزلًا، فحينما يثور الرضيع والشاب والعجوز سينهزم الاحتلال، ويتحقق حلم العودة والصلاة في مسرى رسول الله".

قشعريرة..

"سهام المغني" تعبّر عن المشاعر التي انتابتها عندما اقتربت من السلك الشائك: "كنت أسمع كثيرا ممن يزورون المخيم من النساء والرجال عن القشعريرة التي تصيبهم عند وصولهم المكان، وكيف أنهم باتوا لا يطيقون البعد عنه لأيام، وقد شعرت بها عند شاركت في المسيرة".

وتقول لـ"فلسطين": "حينما أتيت أول مرة إلى المخيم، ووقفت على التلة التي لا تبعد سوى بضعة أمتار عن قناصة الاحتلال، تأملت المساحات الخضراء التي تغطي أراضينا المحتلة، وتحسرت على عدم قدرتي الوصول إليها، وتملكني إصرار عجيب على المشاركة في مسيرة العودة حتى تحقق هدفها ويعود الفلسطينيون إلى أراضيهم".

وتابع: "لا أنسى مشهدًا أثر بي بشكل كبير، لطفلٍ لا يتجاوز عمر العشر سنوات، أشعل الكاوتشوك بالقرب من السياج، فأطلق جنود الاحتلال النار عليه، وبقي محاصرًا خلف كومة من الرمل، وخشيت أن يصيبه الرصاص، فهممت بالتوجه نحوه لإنقاذه، ولكن منعني المحيطون بي لأن المنطقة خطرة للغاية".

وتمضي في حديثها: "من هذا الطفل الهمام تعلّمت الشجاعة، بل خجلت أمامه من خوفي، فمنه يتعلم الرجال الشجاعة، وكل طفل في بلادي هو أيقونة للمقاومة".

حبّ الاستطلاع هو ما شد "المغني" نحو زيارة مخيم العودة، لتستطلع عن قرب مقدار توغل الاحتلال في أراضينا، تقول "يتمتعون بجمال الطبيعية، وخيرات البلاد ويحرموننا من الاستمتاع بها، ونحن نعاني من الحصار والتجويع".

وتضيف: "من يأتي أول مرة إلى هذا المكان (مخيم العودة)، يصبح لديه شوق دائما للعودة إلى زيارته، إنه شيء يشبه (الإدمان)، لربما إدمان على التضحية، أو إدمان على تحدي الاحتلال، وقد يكون إدمانًا على استنشاق عبير تراب وطن سليب".