إن جريمة اغتيال العالم فادي البطش قد سبقها سلسلة عمليات تصفية للأدمغة العربية منذ استئناف (موساد) سياسة الاغتيالات بعد شبه انقطاع، منذ المحاولة الفاشلة لاغتيال خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في عمان عام 1997م، بعد سلسلة اغتيالات لقيادات حركة فتح في تونس، على رأسهم خليل الوزير (أبو جهاد)، وهذا الاستئناف الذي يأتي ضمن سياسة الترميم في المؤسسة الأمنية للاحتلال الإسرائيلي بكل فروعها من أجل إعادة الهيبة لهذه المؤسسة الأمنية و"قوة الردع" من جهة، ولترهيب العرب والمسلمين بإعادة ترسيخ خدعة القوة التي لا تقهر في عقولهم، وهذا ما قاله الخبير في الشأن الإسرائيلي أنطوان شلحت ذات مرة: "الفشل الذي منيت به المؤسسة الأمنية الإسرائيلية دفعها إلى ما يمكن تسميته إعادة شحن بطاريات قوة الردع الإسرائيلية، بعمليات الاغتيال".
لذا ندرك مرامي مؤسسة الاحتلال الأمنية هذه التي جاءت بعد فشلين مركزيين متتابعين لها، إذ ثبت فشلها وهشاشتها في حرب لبنان الأخيرة وحرب غزة، اللتين اشتركتا في الخلفية والأهداف، وهي خلفية أسر جنود على أيدي المقاومة: في لبنان على يد حزب الله، وفي فلسطين على يد حماس وشركائها، وبذلك كان الهدف المعلن إعادة الجنود من الأسر وإضعاف المقاومة، وهو ما لم يتحقق، كاشفًا فشل هذه الأجهزة، وهو الأمر الذي أضر بسمعة هذه المؤسسة، وليس هذا فحسب، وإنما كشف حقيقة ضعفها وهشاشتها وزيف أسطورتها المرسومة والمروجة لها قوة لا تقهر، وفي هذا المجال يكفي أن نستشهد بعملية اغتيال الشهيد عماد مغنية، واغتيال الشهيد سمير قنطار في سوريا، وعملية اغتيال الشهيد المبحوح في دبي.
حتى تكون الرسالة كاملة الوضوح إنها تقول: أمام يد (موساد) تلغى كل التسميات؛ فلا قيمة لنسبة هذه الدولة أو تلك إلى دول الممانعة أو دول الاعتدال أو الدول المحايدة، ولا يحسب أي حساب لأي دولة، حتى الصديقة، ومن هنا كان اغتيال العالم البطش في دولة إسلامية، وتحديدًا في ماليزيا.
أما ثاني تلك الجهات الموجه إليها الرسائل فهي الشارع الإسرائيلي نفسه، تطمئنه حتى لا يقلق وينفض من حولها، ويكون على ثقة بمؤسسته الأمنية وقدرتها، ربما تمهيدًا لأي استحقاق سيدفع ثمنًا لإخراج أسراهم، وأنه في حالة خروج أسرى فلسطينيين ستكون يد مؤسستهم الأمنية طويلة، ولو بعد زمن طويل، كما كان الأمن مع الشهيد المبحوح والشهيد فقها والشهيد قنطار.
لكن بقي شيء يجب الإشارة إليه، وهو أن نجاحات (موساد) ليس شرطًا ولا بالضرورة أن تكون نتاجًا لقوة وعبقرية (موساد) نفسه وإمكاناته وقدراته، وإنما في الحقيقة هي نتاج ومحصلة للضعف العربي والإسلامي، الذي سلم بخرافة عدم القدرة على مواجهة قوة الردع الإسرائيلية.