قائمة الموقع

ليتني أقتحم الحدود وأعود إلى "سدود"

2018-04-19T06:33:55+03:00

ترتدي الحاجة هنيّة الكردي البالغة 80 عامًا عباءة سوداء و"شاشةً" بيضاء اللون "غطاء الرأس"، وتلفّ على رقبتها وكتفيها الكوفية الفلسطينية، تجلس أمام نار الحطب وتقلب خبز الصّاج بهدوء، وإلى جانبِها تؤنسها زوجات أولادها أمام خيمة من خيام العودة في منطقة "ملكة" شرق غزة.

يلتفّ حولها أولادُها ويتقافز أحفادُها الذين يداعبونها كما لو أنها طفلةٌ مُدلّلة، فتتماشَى معهم وتجاريهم مبتسمةً لكل ما يفعلون.

الحاجة هنيّة صاحبة الكلمة الطيبة والابتسامة الدائمة كما رأيناها ويصفها كل من حولها تشارك في مسيرات العودة يومياً دون أن تتراجع شيئاً، تقول لـ"فلسطين" وقد انتهت من خبز الصاج وقام أحد أحفادِها بتجهيز إبريق الشاي على النار: "كنت أنتظر تلك الخطوة وأتمناها منذ سنوات عمري الطويلة، وإنهم لو قالوا لي تعالي لنتخطى الحدود ونعود لبلدتي (سدود) لذهبت دون أن يتزعزع قلبي أو أخاف من المحتلّ وسلاحه".

وتصف: "يا الله! لو أننا حقاً نقتحم السلك وندخل لأراضينا مرةً واحدة شعباً واحداً ويداً واحدة، إنه يوم المُنى والله يا بنتي..".

وتأتي الحاجة بالعادة بعد صلاة الظهر وكلها شوقٌ للمجيء، تروي: "أجهز أموري وأنا مشتاقة للوصول للحدود، فأصلي الظهر وأخرج فوراً لأجلس في خيمة العودة هذه وأمارس كل طقوس حياتي فيها، ولو أن مبيتي مسموح فيها لبِتُّ وما غادرت المكان يومًا واحداً".

وتضيف: "تلك الخيمة والمكوث فيها طويلاً خاصة وأنني أرى حقول القمح والأراضي الخضراء الشاسعة من أمامي، يذكرني بالماضي الجميل أيام طفولتي وصِبايَ قبل دخول الاحتلال الصهيوني وطردنا من بلادنا بالسلاح والنار وتنغيص الحياة علينا ثم تهجيرنا للملاجئ والمخيمات".

وتتبع: "ساق الله على أيام سنابل القمح الذهبية في شهر مايو، وعلى أشجار الزيتون والبرتقال والليمون لمّا تفوح رائحتها مع بداية الربيع، ونحن نزرع ونقلع ونسقي ونحصد، لم نكن نتعب لكثرة ما كانت أرواحنا معلّقة بالأرض".

وتذكر الحاجة هنيّة أن العصابات الصهيونية قتلت زوجها في عام النكبة الفلسطينية 1948م، وكانت آنذاك أماً لطفلتين، لتهرب مع الهاربين بعد أن كانت صدمتها من إجرام المحتلّ لا تُوصف، كما تقول، لكنها اليوم تجلس في خيمتها وكلها أملٌ بأن حلم العودة لا بدّ وأن يتحقّق بعد أن ملّت منها دموعُها التي سكبتها حين أتت للخيمة وأعادت شريط ذكرياتِها القديم مع التهجير.

ودّعنا الحاجة هنيّة بعد أن التقطنا لها الصور التي لم تقبل فيها إلا أن ترفع شعار النصر أملاً وتفاؤلاً به كما تقول، وقد بات طعام الغداء "السّمّاقية" جاهزاً، وأحفادُها ينادونها لتشاركهم تناولَه.

أقْسَمَتْ أن لن أغادِر إلا بعد أن أشاركهم غداءهم، فاقتسمتُ لقمةً وتذوّقتُها فكانت شهيّةً للغاية وحرّاقة أكثر، لتخبرني أن السّمّاقيّة أكلة "غزّاوية" بالأصل لكنها باتت منتشرة ومرغوبة عند كل أهل القِطاع، ثم ختمت بدعاء بعد أن رفعت يديها للسماء: "يا رب نعود ، ونأكلها ببلادنا تحت الشّجرات مثل أيام زمان".

اخبار ذات صلة