فلسطين أون لاين

في مخيمات العودة.. عزيمةٌ أقوى لحفظ القرآن

...
غزة - صفاء عاشور

للقرآن وقراءته وحفظه تأثير كبير يلامس مشاعر كل مسلم، فكيف لو كان ذلك بجوار سياجٍ يفصل الفلسطيني عن أرضٍ يأمره القرآن بالجهاد لأجل استردادها؟!

في مخيمات العودة المُقامة عند السياج الفاصل بين قطاع غزة، وباقي المدن والقرى الفلسطينية التي هُجر منها الفلسطينيين قبل سبعين سنة، يعقد المشاركون في مسيرات العودة الكبرى وكسر الحصار حلقاتٍ لتحفيظ القرآن الكريم.

ريح تلك المدن ورائحة ترابها، لامسا مشاعر نساء مسجد الشيخ أحمد ياسين في أول زيارة لهن إلى مخيم العودة في المنطقة الشرقية من مدينة غزة، عندما نظّم جلسة تحفيظ فيها، وكانت سعادتهن الغامرة بهذه التجربة سببًا في توجه باقي نساء المسجد لاتخاذ الخطوة ذاتها، فتوالت الرحلات لعقد حلقات التحفيظ هناك، مع تنظيم فعاليات أخرى على هامش الحفظ.

مشاركة أكبر

كانت البداية من عند "أم محمد السرساوي" المحفظة في المسجد، والتي دعت النساء المشاركات في حلقات التحفيظ التي تديرها لنقل الحلقة إلى إحدى خيام العودة شرقي غزة، في خطوة تهدف للتأكيد على أن لا تراجع عن حق العودة مهما كانت الظروف.

داخل إحدى الخيام، جلست السرساوي مع السيدات التي تشرف عليهن في حلقة التحفيظ، فعلن ما يفعلنه في المسجد دومًا، يقرأن على معلمتهن ما حفظنه في البيوت، لكن المشاعر كانت مختلفة، فهن هذه المرة، لا يتلين القرآن فقط، وإنما يعملن بما أمرهم به، فيشاركن في الرباط على الحدود، والجهاد ضد العدو لاسترداد الأرض.

وقالت في حديث لـ"فلسطين": إن "كثير من السيدات المنضمات لحلقات التحفيظ كنّ من المتابعات القويات لكل ما يحدث في مسيرة العودة الكبرى، وبعضن شاركن بها بشكل فردي، لذلك كان لا بد أن يكون للمسجد دور في هذه المسيرة".

وأضافت: "اقترحنا على السيدات عقد حلقة للتحفيظ في تلك المنطقة، لإيصال رسالة قوية للعالم بأسره وليس للاحتلال الإسرائيلي فقط، مفادها أن الشعب الفلسطيني لم يمُت، بل لا يزال حياً هو وقضيته".

وأوضحت السرساوي أنه خلال الأسبوع الماضي تم عقد حلقة لتحفيظ القرءان في خيام العودة بالقرب من دوار ملكة شرق مدينة غزة، وأمس تم تكرار التجربة، في نفس المكان، ولكن بعدد مشاركات أكبر، نظرا لزيادة الراغبات بالتوجه إلى تلك المنطقة.

وبيّنت: "في المرة الأولى، شارك ما يقرب من 20 سيدة ممن يحفظن القرآن في مسجد الشيخ أحمد ياسين، والآن ارتفع العدد إلى نحو 40 سيدة، وفي هذا تأكيد وإصرار منهن على دعم القضية الفلسطينية والدفاع عن حق العودة".

دافعية للحفظ

إحدى المشاركات في حلقات حفظ القرآن في المسجد، سعاد أبو القمبز، وصفت فكرة نقل جلسات التحفيظ إلى خيام العودة بأنها "أمر رائع للغاية"، مبينة: "عقد الحلقات على الحدود أعطى النساء المزيد من الدافعية والقوة لحفظ مزيد من الآيات والسور".

وقالت لـ"فلسطين": "بالنسبة لي لم يكن الأمر غريباً علي، فأنا شاركت في أول يوم لمسيرة العودة، وكان الوضع في تلك المنطقة لا يوصف ولا يمكن لأي أحد أن ينقل مشاعر كل من كانوا هناك".

وأضافت: "وبعد مرور ثلاثة أسابيع على مسيرة العودة فكان لزاماً أن يرافقنا للمكان الشيء الأكثر الأمور قربًا لقلوبنا، وهو القرآن الكريم، وهذا ما تم تجسيده من خلال نقل جلسات التحفيظ من المسجد إلى إحدى خيام العودة الموجودة على الحدود".

وأكدت أبو القمبز أنها شعرت بعزيمة وقوة أكبر بكثير من تلك التي تشعر بها عندما تكون في المسجد، خاصة وأنها أصبحت قريبة من الأراضي التي هُجّرت منها أمهاـ والأراضي التي سرقها الاحتلال من والدها، والموجودة في الداخل المحتل.

زيارات متتالية

نجاح عقد تلك الحلقة في مخيم العودة، فتح الباب لتكرار التجربة، ودفع النساء اللواتي يترددن على المسجد لطب تنظيم رحلات لهن لشرق غزة، ما شجّع عددًا من المحفظات الأخريات على التجهيز لفعاليات أخرى في تلك المنطقة.

وقالت المحفظة أم سامي أبو هين: ستتوالى الفعاليات الخاصة بمسيرة العودة الكبرى في مسجد الشيخ أحمد ياسين، ومنها تنظيم زيارة للحدود تضم السيدات المشاركات في دورات الأحكام والتلاوة، على غرار زيارة المشاركات في حلقات التحفيظ".

وأضافت لـ"فلسطين": "يتم التجهيز الآن لتنظيم زيارة لخيام العودة لإحدى حلقات التحفيظ، وستحمل الفتيات المشاركات فيها كمياتٍ من الأكلات الشعبية التي تم إعدادها في البيوت، ليتناولنها هناك، وليوزعن جزءًا منها على الموجودين في تلك المنطقة".

وتابعت: "لم نكتفِ بتخصيص الرحلة لتلاوة القرآن وحفظه، وإنما أردنا أن نجعلها متعددة الفعاليات، وأن تساهم تلك الفعاليات في التأكيد على تمسكنا بحق العودة، لذا اخترنا الأكلات الشعبية، فهي تذكر الكثيرين بالحياة في القرى والبلدات المحتلة خاصة وأن المرأة الفلسطينية حرصت على حفظ طريقة إعدادها من قبل النكبة وحتى الآن".

وختمت أبو هين حديثها بالقول: "الحافظات لكتاب الله سيصدحن بالقرآن من تلك الخيام لعل صداها يصل إلى جنود الاحتلال".