علاماتُ استفهامٍ تَرْتَسِمُ اليوم على الجِباه، وحيرةٌ تضرب " كيان المستوطنين " في فلسطين المحتلة! وما هو الرَّد الصهيوني "المناسب" على قرار مجلس الأمن؟ أسئلةٌ كثيرة تَتَرَدَّدُ في "تل أبيب" بعد الهجوم الإرهابي الدبلوماسي الدولي الذي جاءنا اليوم من الغرب الأميركي الحليف! هذا ما يُرَدّدُهُ عديد قادة الاحتلال سياسيين وأمنيين وعسكريين وهكذا تعيش اليوم دولة العَدُو وقد "فاجأها " صَمْت " اليانكي الأميركي"، فامتنع عن التصويت في سابِقَةٍ لم تحدث من قبل في مجلس الأمن! ما أثار استغراب " تل أبيب " أن الولايات المتحدة الأميركية تُشاركُ العدو المُحْتَل للوطن فلسطين ذات الجينات السرطانية العدوانية، فواشنطن التي أَسَّسَها المُستوطنون الأنغلوساكسونيون الأوائل، اعتمدوا شريعة الغابِ في قتل السُّكان الأصليين وفي حروبهم الأَهْلية بين الشمال والجنوب وفي غزواتهم الهمجيّة الدموية داخِل وخارج القارّة الأميركية الجديدة، ومن بَينِها دَعْمهم اللاّ محدود للنازية الصهيونية.
اليهود المستوطنون يَعْلَمون في قرارة أنفسهم أن جوهر الموقف الأميركي الأخير في مجلس الأمن هو حماية لهم من طيش أَنفسهم وهو تماماً كموقف الأب الذي يَمْنع ابنه المُدَلَّل المُفْسَد من المضِيّ قُدُماً نَحْوَ الانتحار.
لقد صوتت " واشنطن " عام 2011 ضد قرار شبيهٍ يُدين الاستيطان في مجلس الأمن، وقد أعطت " تل أبيب " فُرَصَاً ذهبية امتدت لـ 5 سنوات لتعيث فساداً استيطانياً تسارَعَ حتى زاد عدد المستوطنين خلال هذه الفترة فقط على 200 ألف مستوطن.
كما أن الولايات المتحدة الأميركية صوتت بـ 45 فيتو لصالح جرائم الاحتلال ضد الإنسانية ومع الاستيطان وفي دَوس القانون الدولي خلال عدوانها الذي لا يحصى منذ تأسيس الكيان الصهيوني وحتى الآن وذلك من بين 85 قرار فيتو ظالما ضد نضال الشعوب وسَعْيِها للانعتاق والحُرّية.
وليس جديداً أن تضرب واشنطن ابنها المُدَلَّل في " تل أبيب " على يده حين يخرج " على صَفِّها "ومصالحها، وقد تكرر ذلك منتصف الخمسينيات حين دَشَّنَ الرئيس الأسبق لكيانهم غير الشرعي شيمون بيريز مشروع بناء القنبلة النووية مع فرنسا وألمانيا دون عِلْم " واشنطن "، وكذلك حين شارك جيش التحتلال فرنسا وبريطانيا في العدوان الثلاثي على مصر بعد تأميم قناة السويس حين فرضت أميركا والاتحاد السوفيتي في حينهِ الانسحاب على الفور من المنطقة وكان لهما ما أرادا. كما تكرر ذلك حين هاجم الرئيس العراقي الراحل صدام حسين دولة العدو بعدد من صواريخه، وفرضت " واشنطن " على " تل أبيب " الصَّمْت وعدم الرد خشية أن يُسبب ذلك خطَراً ومَسّاً بالمصالح الإستراتيجية فالتزمت بذلك حرفياً!!
كما تابَعْنا جميعاً السُّعار الذي اعترى دولة الاحتلال وهي تُحَرِّضُ البيت الأبيض لضرب إيران بحجة تطويرها سلاحاً نووياً في الوقت الذي أثبت فيه مفتشو الطاقة النووية التابعون للأمم المتحدة أن المشروع الإيراني يَهْدِفُ إلى الاستخدام السِلْمي للطاقة النوويّة لا أكثَرَ ولا أَقَلْ، وقد اضطرت الولايات المتحدة ومعها أوروبا إلى التَّوَصّل إلى " حل دبلوماسي " وهو ما سُمِّيَ " باتفاق 5+1 " مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
ولكن الولايات المتحدة – وهو معلومٌ للدنيا – هي التي تحقنُ الحياة في جسد هذه الدولة العنصرية المتمردة و" الفوق " القانون الدولي، وهي التي تَدَرَّج موقفها من الاستيطان في فلسطين المُحتلة لينحدر من اعتباره غير قانوني إلى عقبة في وجه " مسيرة السلام المُدَّعاة " ، ومن ثمَّ إلى غض النظر عنه وإطلاق فيتو وراء الآخر في وجه كل محاولات صَدّ ووقف هذا التغول الذي أضحى اليوم وبِفِعْلِ غطرسة القوة يُحَوِّل الضفة والقدس المحتلتين إلى بانتوستانات (كانتونات) أو معازل كجلد الفهد يعيشُ فيها أبناء شعبنا الفلسطيني مُحاصَرينَ بأكثر من 850 ألف مستوطن وبِطُرُقٍ التفافية ومعسكرات لجيش الاحتلال ونقاط أمنية وحواجز عسكريّة!
لقد زوّدَت الولايات المتحدة والغرب الاستعماري الأوروبيّ دولة المستوطنين بكل أسباب القوّة حتى حد الإشباع وكان آخرها صفقة طائرات الشَّبَح الـ F.35 التي تتفوق على كل طائرات سلاح الجو في العالم ولا يَملك هذا الطراز سوى البنتاغون وتل أبيب!!
الرئيس الأميركي الذاوي باراك أوباما سيغادر البيت البيضاوي يوم 20 كانون الثاني الجاري عام 2017 ميلادية وسيتسلم سدة الحكم الرئيس المُنْتَخَب دونالد ترامب وهما يتنافَسان على تفوق الدولة الوظيفيّة وعلى حمايتها من خطاياها وقد بدأ دورها في حماية نفسها وتأمين المصالح الحيويّة للغَرْب يعتريه الكثير من التراجع، بل ويفقد جيشها " الأُسْطورة " تآكلاً مُتَدرِّجاً في قدرته على ردع " الأعداء " أي في تحقيق الأهداف السياسية من وراء عدوانهِ الدموي منذ عقد من الزمان باعتراف قادته وجنرالاته والخبراء العسكريين الإستراتيجيين للغرب عموماً.
كما بدأت شِباك العُزلة تُنْسَج حول النظام النازي العنصري في الكيان اليهودي الاستيطاني الذي بدأ في التَّحَوُّل من ضَحِيّةٍ إلى قاتل، وقد ظهر ذلكَ جَلِيّاً في حقيقة صورته النمطيّةِ الدمويّة المُشَوَّهة إبان معارك الصمود في تموز عام 2014 ميلادية التي خاضتها المقاومة الباسلة ورأس حربتها كتائب الشهيد عز الدين القسام والتفاف الشعب الفلسطيني في قطاع غزة وكل فلسطين المحتلة والعالم بخروج مئات الآلاف في العواصم الغربيّة جميعاً يندّدون بجرائم جيش العدو وهي التي كانت الحليف التقليدي القوي لها، إلى جانب المقاطعات الأكاديمية والاقتصادية لمنتجات المستوطنات.
كل ذلك لا يعني بأي حال، أن قرار مجلس الأمن ضد الاستيطان واعتباره غير قانوني، ليس سلاحاً مهماً، إنه سابقة مهمة جداً إذا أُحْسِنَ توجيهها حيث يجب، فهو قرار يَعتبر كل المستوطنات غير قانونية منذ احتلال 5 حزيران عام 1967 ميلادية وحتى الغد.
إن هذا القرار هو اليوم سلاح جديد بيد رجال المقاومة ومَن اختارهم الشعب والتف حولهم بكل ما يملك منذ انتخابات 25 كانون الثاني للعام 2006 ميلادية ليمثلوه خير تمثيل وللحفاظ على ثوابته وتحرير أقصاه وإقامة دولته الحرّة والسّيدة على كل فلسطين.