شكلت جرائم الاحتلال الإسرائيلي ضد المواطنين المشاركين بفعاليات مسيرة العودة الكبرى وكسر الحصار، على نقاط التماس الشرقية لقطاع غزة، حجمًا هائلًا من الإحراج والنقد الدولي اللاذع لسياسة الاحتلال وانتهاكاته، بحسب مختصين في الشأن العبري.
وعلى الرغم من الخسائر الكبيرة في جانب أرواح المواطنين السلميين خلال الأيام القليلة من انطلاق مسيرة العودة، الجمعة قبل الماضية، إلا أن الصورة ارتدت في وجه الاحتلال على نحو أعيدت فيه القضية الفلسطينية إلى صدارة الاهتمام الدولي بعد خفوتها.
آخر ما يتعلق بانتقاد الاحتلال في الساحة الدولية، جاء على لسان رئيس حزب العمال البريطاني جيريمي كوربين الذي وجه دعوة لحكومة بلاده لإعادة النظر في صفقات بيع الأسلحة لـ(إسرائيل) ردًا على توغلها الواضح تجاه المتظاهرين السلميين العزل على الحدود الشرقية لقطاع غزة، وهو ما استدعى زعيم حزب العمل الإسرائيلي آفي غاباي، القول إنه قطع علاقاته بـ"كوربين".
أزمة داخلية
ومنذ يوم الجمعة 30 مارس/ آذار الماضي، وانطلاق مسيرة العودة، انطلقت مسيرات تضامنية داخل دول أوربية عدة مع الشعب الفلسطيني، فيما طالبت دول وجهات حقوقية عربية ودولية محاسبة الاحتلال على جرائمه بحق المتظاهرين.
ويقول المختص في الشأن العبري، عصمت منصور، إن مسيرة العودة الكُبرى أربكت فعليا (إسرائيل) وأدخلتها في أزمة، وأفشلت ما كانت تسوقه قبل انطلاق المسيرة بأن ما يجري في القطاع ليس إلا أزمة داخلية فلسطينية-فلسطينية، وتتعلق معظمها في الأمور المعيشية من أكل وشرب.
ولفت منصور لـ"فلسطين"، إلى أن رواية الاحتلال المرتبطة بتهديد منطقة قطاع غزة سيادة أمنه، باحتوائها "مقاتلين إرهابيين وتنظيمات متطرفة"، خرجت عن محور الاستماع والتصديق مع حجم الجماهير السلميين الذين انفجروا صوب نقاط التماس مع الاحتلال على حدود القطاع.
وأشار إلى أن رواية الاحتلال انقلبت ضده، حينما رأى العالم الصورة بأن الاحتلال يقتل المواطنين العزل، ويبطش بهم دون أن يشكلوا أي خطر عليه، منوهًا إلى أنه "لولا وقوف واشنطن مع الاحتلال لكان وضعه مختلفا للغاية، وأوصله لدفع أثمان باهظة جراء ما يمارس على الأرض تجاه المتظاهرين".
ونبه إلى أن تأثيرات أحدثتها مسيرة العودة داخل دولة الاحتلال ذاتها، حيث غاب الإجماع فيها على الطريقة المفترض اتباعها تجاه المتظاهرين السلميين، وظهرت دعوات لإجراءات تحقيقات داخلية في إفراط استخدام القوة، ومقالات من داخل المؤسسة الأمنية عنوانها "نخجل مما يصنعه الجيش على الحدود".
وأكد عودة القضية الفلسطينية بفعل ما يمارسه الاحتلال للصدارة، بعد غيابها سنوات، مضيفا "الاحتلال فعليا يدفع ثمنا حقيقيا بفعل المسيرات، والعالم نفض ذاكرته وبدأ يطالب بإنهاء هذا الاحتلال والتحقيق في جرائمه".
خسارة روايته
ودفعت الإدانات الدولية الكبيرة للاحتلال الهيئة التنسيقية العليا لمسيرة العودة الكبرى لمطالبة مجلس حقوق الإنسان، بمتابعة جرائم وانتهاكات الاحتلال التي ارتكبها بحق المتظاهرين.
وشدد المختص في الشأن الإسرائيلي د. عدنان أبو عامر، على خسارة الاحتلال روايته الإعلامية تجاه الفلسطينيين في ظل مسيرات العودة، بل وتكذيبها في كون المسيرة عسكرية مسلحة ويقف وراءها تنظيمات "إرهابية".
وقال أبو عامر لـ"فلسطين"، إن مظاهرات مسيرة العودة أربكت حسابات الاحتلال وخلطت أوراقه، وأعادت طرح القضية الفلسطينية بعد غيابها لسنوات بسبب التطورات العالمية الحاصلة، فيما لاقت رضى ومساندة دولية لطبيعتها السلمية.
ونبه إلى أن حراكًا واستنفارًا إسرائيليًا داخليًا على المستويات الأمنية والسياسية أوجدته مسيرة العودة، ليستدرك الاحتلال نفسه في عدم الوقوع في أزمة دولية كبيرة نتيجة تعامله مع هذه المسيرات بالقوة العسكرية.
ولفت إلى أن "الإسرائيليين يرون في مسيرة العودة السلمية تهديدا لشبكة علاقاتهم الدولية وتجميدا لعجلة التطبيع العربية الكبيرة التي عملوا عليها الفترة الماضية"، مشيرًا إلى أن مواقف الدول الأوروبية وجامعة الدول العربية وتركيا أربكت الاحتلال، وتركت أجواء سلبية للغاية في دائرة صناعة القرار لديه.
وختم أبو عامر بالقول: "(إسرائيل) فعليًا باتت مع مسيرة العودة شبه مكشوفة الظهر، باستثناء الدعم الأمريكي الذي عطل خطوات في مجلس الأمن لإدانتها، وحتى الموقف الأمريكي الرسمي غير كامل الدعم والتبني للرواية الإسرائيلية تجاه المسيرة".