فلسطين أون لاين

​يقوم بها صديقان ستّينيان

"مسير العودة".. رحلةٌ شاقة وممتعة في شارع "جكر"

...
غزة - مريم الشوبكي

تعاهدا على المسير من شمال قطاع غزة حتى جنوبه مشيًا على الأقدام، وخط سيرهما كان شارع "جكر" المحاذي للشريط الحدودي للقطاع مع الأراضي المحتلة عام 1948، وقد توافق اسم الشارع مع هدفهما من المسير، والذي هو "مجاكرة" جنود الاحتلال الإسرائيلي الواقفين على بعد بضعة أمتار خلف السياج..

"طلال الصانع" و"علي أبو الحسن" من النصيرات، صديقان في العقد السابع من العمر، انطقا في رحلة استكشافية لمخيمات العودة في كل المحافظات، يتنقلان بينها مشيًا ليؤكدا على حقهما في التحرك في وطنهما بحرية، وهما يُمنّيان النفس بأن يكون الطريق الذي يسيرا فيه، طريق التحرير والعودة إلى الديار.

أصحاب الأرض

طلال الصانع (67 عاما) صاحب فكرة المسير، كان يعمل مدرس لغة العربية قبل التقاعد، يقطن في النصيرات، و تنحدر أصوله من بئر السبع، يقول: " بدأت المسير بمفردي، انطلقت من شرق جباليا، وتحديدا من موقع أبو صفية مرورا بشارع جكر، حتى وصلت مخيم العودة في دوار ملكة في شرق غزة".

ويضيف الصانع لـ"فلسطين": "قطعت هذه المسافة في ساعتين ونصف، وهدفي إغاظة عدوي، والتأكيد على أنني أريد أن أعيش وأتحرك في وطني بحرية دون خوف من المحتل، وحينما أنهيت المسير شعرت بلذة الانتصار".

ويريد أن يوصل رسالة للعدو الإسرائيلي مفادها: "الفلسطينيون هم أصحاب الأرض، وها هم يسيرون على بعد بضعة أمتار من جنود الاحتلال ليؤكدوا لعدوهم أنهم لا يخافوه لأنهم أصحاب حق".

رفيق الرحلة

وأراد الصانع أن يكون له رفيق درب في رحلته، فلم يجد أفضل من صديق طفولته "علي أبو الحسن"، ليبدئا المسير يوم السبت الماضي من مخيم العودة في رفح حتى مخيم العودة شرق البريج.

ويروي تفاصيل ذلك اليوم: "يوم السبت اتفقنا أن نلتقى عند جامع التقوى في النصيرات، لنستقل سيارة توصلنا إلى مخيم العودة في رفح وكنا ننوي المبيت فيه حتى الصباح لننطلق بعدها إلى شرق البريج".

ويوضح: "ولكن حينما وصلنا المكان كان المخيم شبه خالٍ، وبعيد عن السكان، فاقترح علي أن ننطلق للمسير من رفح حتى مخيم العودة شرق خزاعة، وبالفعل انطلقنا في السادسة مساءً تقريبا، مشينا في شارع جكر، وقطعنا المسافة في ساعتين ونصف".

ويبين: "صلينا المغرب في شارع جكر، وأكملنا المسير بالتسبيح والاستغفار والذكر، حتى وصلنا خزاعة، فصلينا العشاء في خيمة تبرع بها مواطن اعتاد المبيت فيها".

ويصف الصانع مخيم العودة شرق خزاعة بأنه المخيم الأكثر حيوية بين مخيمات جميع المحافظات، مبينا: "في ذلك المكان تشعر أنك في موسم عيد، فيه حيوية لم أجد مثلها في أي مكان آخر، هناك من يصنعون الأكل وآخرين يدبكون، وغيرهم ينشدون حتى ساعات متأخرة من الليل".

وبعد خزاعة، انطلق الصديقان في الساعة الثامنة من صباح يوم الأحد من شرق خزاعة إلى مخيم العودة شرق البريج، وقطعا المسافة في ثلاث ساعات ونصف.

وعلى نفس المنوال، ومن ذات الطريق "شارع جكر"، يكمل الستّينيان رحلتهما، "والهدف السامي منها أن يكون خط السير فيها طريقا للعودة إلى البلاد المحتلة، وهذا ما جعل الرحلة ممتعة وأزال مشقتها"، بحسب الصانع.

خيمة الأسرة

"مسير العودة" ليس الأمر الوحيد الذي قام به "الصانع"، فقد نصب خيمة في منطقة شرق البريج له لأبنائه ولكل من أراد أن يشارك من الرجال، وخيمة أخرى لزوجته وللنساء الأخريات اللاتي يزرن المكان.

ويقول : "أنعم الله علي بثلاث نعم: الدين والعقل والبدن، ومن واجبي أن أستثمرها بعملٍ يرضى الله، والمسير عبادة، ولنا أجره بإذنه تعالى".

وزوجة الصانع ترغب أن تفعل أمرا يوازي ما يقوم به زوجها لتنافسه على حب الوطن، فهي تقدّم للنساء درسًا دينيا أسبوعيا في المسجد، وقررت تقدم درسها هذا الأسبوع في مخيم العودة شرق البريج.

وتمنى الصانع أن يحذو الفلسطينيون حذوه، بحيث يكون من فعاليات مسيرة العودة السير من شارع جكر، ويشارك عشرات الآلاف في هذا المسير بشكل سلمي.

مغامرة

رفيق المسير الحاج علي أبو الحسن (62 عاما) يحكي لـ"فلسطين" عن مسير العودة: "قصدنا أن نسلك شارع جكر في مسيرنا والذي يُعدّ المشي فيه خطرا، وأثناء سيرنا فيه يسلط جنود الاحتلال علينا كشافات الإنارة، مرتابين منا".

ويوضح: "ما دفعنا نحو المسير هو حب الاستطلاع لمناطق القطاع التي لم نزرها، وكذلك لنتحدى العدو".

ما قام به الصديقان مغامرة خطرة، حيث أنهما كانا مُعرضين لإطلاق النار في أي لحظة.

أبو الحسن، مدرس تربية فنية متقاعد، ورياضي سابق، خاصة السباحة لمسافات في البحر، وكان هذا المسير فرصة ليشغل وقته بأمرٍ مفيد، ولتجديد حياته بنشاطٍ لم يقم به من قبل.

ويقول: "رغم المخاطر والتعب بسبب بعد المسافة، إلا أننا كنا في قمة سعادتنا، حيث شاهدنا المزارعين وهم يزرعون أراضيهم، ومنظر الشجر والخضرة يريح النفس".

ويضيف: "أشارك في مخيم العودة شرق البريج بشكل شبه يومي، لأطالب بحق العودة إلى بلدتي الجورة".

ويريد أبو الحسن من خلال المسير إيصال رسائل للعالم، بضرورة كسر الحصار عن القطاع، لأن المسيرات السلمية خرجت لتطالب بذلك، ورسائل أخرى للعالم العربي والإسلامي بعدم نسيان القضية الفلسطينية، والقدس خاصة، والعمل على تحريرها.