قال خبراء جغرافيا وجيولوجيا، إن فرضية غرق قطاع غزة بالكامل أمر غير واقعي، ولا داعي للقلق على سكان مناطق الساحل الجنوبي لفلسطين إذا حدث زلزال في هذه المنطقة، وذلك في ظل الحديث المتصاعد عن إمكانية ضرب "تسونامي" لشواطيء القطاع.
وأضاف هؤلاء في تصريحات منفصلة لـ وكالة الأنباء المحلية "وفا"، أن العلم في مجال الزلازل لم يتوصل حتى هذه اللحظة إلى معرفة مكان وموعد وقوة أي هزة أرضية ممكن أن تحدث على سطح القشرة الأرضية.
وبين الدكتور عبد القادر إبراهيم حماد أستاذ الجغرافيا المشارك بجامعة الأقصى بغزة، أن "التسونامي" هو ظاهرة طبيعية مكونة من سلسلة من الأمواج العالية والمتحركة بسرعة باتجاه اليابسة آخذة معها كل ما يقف في طريقها. فهو عبارة عن مجموعة من الأمواج العملاقة تمتاز بأن لها طولاً موجياً كبيرا جدا، وتكون الفترة الزمنية الفاصلة بين كل موجة وأخرى كبيرة أيضاً.
وقال: يعبر الطول الموجي عن المسافة بين قمتين متتاليتين أو بمعنى آخر هو المسافة بين موجتين متتاليتين. ويصل في المحيطات والبحار العميقة الطول الموجي للتسونامي الى نحو 300 ميل ( 500 كم)، والفترة الزمنية الفاصلة بين موجتين متتاليتين ربما تصل الى نحو الساعة. وكلمة "تسونامي" منحوتة من اللغة اليابانية وهي تتألف من مقطعين وهما tsu وتعني المرفأ و name وتعني الموجة فهي اذا موجة المرفأ أو موجة الميناء. ومع الوقت أصبح استخدام هذا لمصطلح. ويطلق على التسونامي أيضاً: مد الأحزان، أمواج الأمراض، أمواج التدمير.
وتابع: يقال إن بعض صيادي السمك اليابانيين عادوا من البحر فوجدوا أن كل ما تركوه في الميناء قد دمر تماماً بفعل موجات عالية قوية رغم أنهم لم يشعروا بأي شيء عندما كانوا في عرض البحر.
وذكر أنه من أقدم أمواج التسونامي عبر التاريخ تلك التي حدثت في عام 1490 قبل الميلاد والتي اثرت على جزيرة قبرص، ويعتقد أن هذه الأمواج قد نجمت عن انفجار بركان سانتورن في جزيرة ثيرا في بحر أيجة. ويعتقد أن هذه الأمواج كانت بالغة الشدة وأنها المسؤولة عن ابادة الحضارة الأوربية الأولى والتي يتصور أنها كانت تتمركز في جزيرة كريت.
وعن كيفية نشوء موجات تسونامي؟، قال الدكتور حماد: هناك ثلاثة أسباب لنُّشوء التسونامي، أولها الزلازل، فعندما تحصل هذه الحالة تحت سطح المحيط؛ يتم عمل إزاحة لكميات كبيرة من المياه، فتتدافع جزيئات الماء نحو الأعلى وفي عكس اتجاه الضربة التي حصلت؛ مما يؤدي إلى ارتفاع الماء بسرعة كبيرة وخروجها من الأعماق على شكل موجات عاتية.
أما الحالة الثانية وهي الانفجارات البركانية، وفي حال حصولها في قاع المحيط؛ ترتفع درجة حرارة المياه الملاصقة لمنطقة الانفجار البركاني بسبب درجة الحرارة المرتفعة للحمم البركانية، مما يؤدي إلى تبخُّر الماء. ويرتفع بخار الماء بسرعة كبيره إلى الأعلى، حيث أن وزن كثافة الماء الساخن أقل من وزن كثافة الماء البارد، فيؤدي ارتفاع بخار الماء إلى حصول عملية إحلال، فينزل الماء البارد بدلاً من الماء الذي تبخَّر، ثم يتم تبخير الماء الجديد بفعل الحرارة العالية وهكذا دواليك. يبدأ الماء الصاعد بالتكثُّف والخروج عن سطح الماء بفعل السرعة الهائلة التي خرج بها؛ مُحدِثاً موجات تسونامي عالية جداً.
السبب الثالث، لنشوء ظاهرة تسونامي هو سقوط نيزك فضائي في المحيط، وحيث أن وزن هذا النيزك كبير وكتلته هائلة جداً، مع عدم إهمال درجة حرارته العالية بفعل احتكاكه مع الهواء لحظة دخوله المجال الأرضي؛ فإن الاصطدام لوحده كفيلٌ بإزاحة كميات كبيرة من الماء، ومع الحرارة العالية التي تؤدي إلى تبخُّر الماء حول النيزك وتُصبح مثل ما ذكرنا في الانفجار البركاني، فتؤدي هذه العوامل إلى إطلاق موجات تسونامي هائلة.
وأضاف: أنه عندما تحدث ازاحة وخلخلة لعمود المياه بالبحار والمحيطات، أو عندما ترتفع قيعان البحار أو المحيطات بشكل مفاجئ نتيجة للحركات الأرضية تتكون أمواج التسونامي نتيجة لقوى الجاذبية، وتنطلق هذه الموجات بعيدا عن مصدر نشأتها وتصبح غاية في الخطورة عندما تصل الى خط الساحل.
وقال: إن منشأ أمواج التسونامي يكون حادثة قوية مثل الزلازل وثوران البراكين أو سقوط نيزك من الفضاء داخل المحيط، ويكون طول الموجة عالياً. أما عن القوة؛ فحدِّث ولا حرج، حيث يمكن لموجة تسونامي أن تُدمِّر مُدُناً بأكملها، ماسحة في طريقها كل المعالم، وعلى سبيل المِثال، يمكن لموجة تسونامي أن ترفع صخوراً تَزِنُ الواحدة منها عشرين طناً وترميها لمسافة عشرين متراً.
وأضاف أن أمواج التسونامي ليس لها علاقة على الاطلاق بالظواهر الفلكية أو بتأثير جاذبية القمر أو الشمس أو الكواكب.
وفيما يتعلق بأعراض حدوثه، قال الدكتور حماد: قبل وصول الأمواج مباشرة يمكن ملاحظة الأمور التالية: الإحساس بهزة أرضية. قد تخرج بعض الغازات من مياه البحر على شكل فقاعات. قد يشعر الشخص الموجود في الماء بحرارة الماء التي تزيد فجأة وبشكل محسوس. يُسمع صوت مشابه لصوت الرعد. تبرز من المياه رائحة كريهة جداً. وتتراجع مياه الشاطئ باتجاه العمق بشكل كبير.
وأضاف: تمرّ عاصفة التسونامي بثلاث مراحل هي: مرحلة التولّد ومن ثم مرحلة الانتشار، ثم مرحلة الإغراق. وتختلف أمواج التسونامي عن الأمواج البحرية العادية بالسرعة: والحجم والخسائر التي تسببها.
وبخصوص تعرض سواحل فلسطين لتسونامي قال حماد: يجب التأكيد على أنه بالرغم من التطور الهائل الذي بلغه الانسان في مختلف أنحاء المعمورة الا أنه لا يمكن لأحد أيا كان التنبؤ بموعد حدوث أي زلزال، وقد يحدث تسونامي بالرغم من أن هناك طرقا يمكن من خلالها قياس بعض الأدلة التي تشير إلى إمكانية حدوث زلزال ومنها على سبيل المثال تسجيل الموجات السابقة، ومنها قياس مستوى ارتفاع وانخفاض المياه الجوفية في الآبار، وانطلاق غاز الرادون، بالإضافة إلى ملاحظة تصرفات أنواع من الحيوانات مثل خروج الأفاعي من جحورها وصهيل الخيول ونباح الكلاب أو طيور تطير بحركات هائجة.
وأكد الدكتور حماد أنه ما يتم تداوله بخصوص قطاع غزة، يدخل في باب الحرب النفسية من قبل سلطات الاحتلال، او التمهيد لاجراء بعض أنواع من التجارب أو التفجيرات العسكرية.
بدوره، قال د. صالح أبو عمرة الباحث في نظم المعلومات الجغرافية والاستشعار عن بعد بجامعة الأزهر بغزة: الحقيقة أن توقعات الكثيرين بغرق قطاع غزه بالكامل لو ارتفع مستوى سطح البحر حوالي 2 متر غير دقيقة, ولكنني أؤكد من خلال معالجتي للبيانات التي رصدها القمر الصناعي SRTM3 سنة 2000م وتم إنتاجها سنة 2004م، وتم الحصول عليها من موقع وكالة ناسا الفضائية, أن ارتفاع مستوى سطح البحر حوالي 12 مترا لن يغمر سوى مساحة 30 كم2 وهي المناطق المحاذية لساحل البحر, وفي حال ارتفاعه حوالي 16 مترا لن يغمر سوى مساحة 42 كم2, وفي حال ارتفاع مستوى البحر 20 مترا سوف يغمر مساحة 53 كم2.
إما في حال ارتفاع منسوب البحر 24 مترا فسوف يغمر مساحة 63 كم2, وبالتالي فإن فرضية غرق قطاع غزة بالكامل هو أمر غير واقعي, مع العلم أن هذه الارتفاعات لسطح الأرض فقط, ولا تشمل ارتفاعات المباني المقامة عليها, بالإضافة إلى انه في مناطق قطاع غزة يزيد ارتفاع سطح الأرض فيها عن 100متر، قال أبو عمرة.
وكان أستاذ علم الجيولوجيا بكلية العلوم في جامعة الأزهر-غزة أسامة زين الدين، قال هو الآخر: إن العلم في مجال الزلازل لم يتوصل حتى هذه اللحظة إلى معرفة مكان وموعد وقوة أي هزة أرضية ممكن أن تحدث على سطح القشرة الأرضية.
وعن المنطقة المشار إليها في الأخبار المتداولة عبر الصحف والمواقع الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي، وهي منطقة شواطئ قبرص، أوضح زين الدين أن جزيرة قبرص يحدها صدع وهذا الصدع يسبب حدوث الزلزال في هذه المنطقة، وعبر التاريخ حدث زلزال في ذات المنطقة، سببه تسونامي ضرب سواحل فلسطين، ولكن بشكل لا يسبب مخاطر شديدة على السواحل الشمالية، وكلما نتجه إلى الجنوب، فإن الساحل الجنوبي يكون أقل حدة منه في الشمال، لذا لا يسبب أي مخاطر على المنطقة.
وأضاف: "لذلك، لو حدث زلزال في هذه المنطقة فلا داعي للقلق على سكان مناطق الساحل الجنوبي لفلسطين"، مؤكدا أنه لا يمكن من الناحية العلمية التنبؤ بموعد أي زلزال قبل حدوثه، والتكهن بقوته حيث أن حدوث الزلزال يخضع لعوامل طبيعية لا دخل للإنسان فيها.