فلسطين أون لاين

​الفنان علاء اللقطة.. بريشته يهز "جيش (إسرائيل)"

...
غزة - محمد القوقا


في وقتٍ تروّج (إسرائيل) عبر وسائل إعلامها المختلفة، أنها واحة مزعومة من الحرية والديمقراطية في محيطٍ عربيّ موحش بالاستبداد وسفك الدماء، لا يتوقف الناطق بلسان جيشها عن مهاجمة ناشدي الحرية لفلسطين وأهلها، حتى وصلت إلى "تهديدات مبطنة" طالت هذه المرة بشكل شخصي رسام الكاريكاتير الفلسطيني الدكتور علاء اللقطة.

"أفيخاي أدرعي" الذي برز أخيرًا في ثياب الواعظين يتقمص دور داعية إسلامي حريص على حرمة النفس البشرية، عبر استشهاده بآيات من القرآن الكريم وأحاديث نبوية شريفة يسقطها في غير موضعها، بدا في حالة غضب من تأثير رسومات الكاريكاتير وهو يراقب صداها الواسع يتردد على صفحات مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي، بمجرد أن يقوم اللقطة بنشرها في فضاء العالم الأزرق.

ودوّن "أفيخاي ادرعي" على حسابه في "فيسبوك" و"تويتر" قائلًا: "أي نوع من المقاومة هذا الّذي يقوم به من يدّعي أنّه طبيب؟ فيرسل الكاريكاتيرات المحرِّضة ليعرّض حياة الغزيّين للخطر وهو يراقبهم من بعيد ويستمتع برؤيتهم يعانون أمام أعينه. علاء اللّقطة، خلّيك بطبّ التّجميل أشرفلك".

سخرية واستخفاف

تلك التدوينة قابلها اللقطة بسخرية واستخفاف، وتحدٍ في الوقت ذاته، كما هو عليه حال تعليقات النشطاء الفلسطينيين والعرب في صفحة "أدرعي"، حيث ردّ قائلًا: "أعدك يا أفيخاي أن أبقى بجراحة التجميل، وأعتزل الكاريكاتير، ولكن بعد صلاتي ركعتي شكر لله بتحرير بلدتي الفالوجا من احتلالكم البغيض..".

والدكتور علاء عبد المجيد موسى اللقطة من مواليد غزة عام 1972م طبيب جراحة تجميل ورسام كاريكاتير يومي يعمل في عدة مواقع وصحف عربية ودولية من بينها صحيفة فلسطين اليومية الصادرة في غزة، وهو لاجئ من بلدة الفالوجا المهجرة داخل أراضي الـ48، ومتزوج وأب لثلاث بنات، ويقيم حاليًا خارج فلسطين.

ويرصد اللقطة، وفق متابعته لعديد التصريحات الإسرائيلية حالة "الاضطراب الكبير" في التعامل مع مسيرة العودة الشعبية السلمية، حيث يشكل الكاريكاتور الداعم لتحركاتها "أحد روافدها".

واندلعت شرارة مسيرة العودة وكسر الحصار في قطاع غزة نهاية مارس/ آذار الماضي وصولًا إلى مسيرة العودة الكبرى في مايو/ أيار المقبل، وينتهج خلالها سكان القطاع المحاصرون منذ 12 عامًا وسائل مقاومة سلمية ضد الاحتلال الإسرائيلي.

ويعتبر اللقطة ما ورد على لسان "ادرعي" بمثابة تهديدات مبطنة تعكس حالة غضب إسرائيلية من تأثير فن الكاريكاتير الذي يصنفه ضمن مجالات المقاومة السلمية الناعمة وهو جزء لا يتجزأ من مشروع مسيرة العودة الكبرى.

عن ذكر اسمه بشكل صريح على لسان الناطق باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي، يصنفها رسام الكاريكاتير "كنوع من أنواع الترهيب أو الترويع، الهدف منها أننا نراقبك ونتابع كل صغيرة وكبيرة تصدر عنك".

لكن اللقطة ومن خلال حديثه لصحيفة "فلسطين"، يسخر من ذلك، ويرى أن التصرفات الإسرائيلية تأتي في "سياق التخبط والمأزق" الذي وضعت فيه دولة الاحتلال الإسرائيلي.

ويقول إن مسيرة العودة (التي ارتقى فهيا حتى الآن 29 شهيدًا فضلًا عن إصابة قرابة 3 آلاف)، عرّت (إسرائيل) أمام العالم وأظهرت وحشية جيشها الذي لا يتردد في استهداف شعب أعزل ينشد حريته عبر وسائل المقاومة الناعمة.

وكما هي حالة اللامبالاة التي يقابل فيها جمهور الفلسطينيين والعرب منشورات "أدرعي" باللغة العربية، يؤكد اللقطة أن التهديدات الإسرائيلية تزيد من عزيمة الإصرار والتحدي لمواصلة الطريق في متابعة فن الكاريكاتير لما له من دور في تأليب وتحريض الجماهير الفلسطينية ضد الاحتلال.

مشروع التحرير

وكونه في الأصل طبيب جراحة تجميل اختار تخصصه أثناء فترة دراسته الجامعية، يسير اللقطة بموازاة ذلك في فن الكاريكاتير إذ يعتبره عاملًا محفزًا في رفع نسبة الأدريالين عند أهل غزة لمضاعفة أنشطة المقاومة ضد الاحتلال ويأمل أن تكلل بالحرية والتحرير في نهاية المطاف.

ويقول: "أحببت أن أكون جزءا من مشروع تحرير الوطن. دوري في فن الكاريكاتير سينتهي عند تحرير فلسطين، وحينها ستكمل الأجيال الأخرى الأعمال الفنية في المجالات الاجتماعية والحياتية".

وعبر صحيفة فلسطين يبعث الدكتور اللقطة بتحياته لمتابعي رسوماته إذ يؤمن كما يقول بالجماهير ويعتبرهم نبضه الدائم.

ويضيف أن النجاح الفعلي لأي فنان ينبع من التفاف الناس حوله، جازمًا بأن "ادرعي" اختاره شخصيًا من بين فنانين كثيرين سواء فلسطينيون أو عرب رسموا عن مسيرات العودة "بسبب زخمه وتأثيره الجماهيري وخصوصا بين أهل غزة".

ويفتخر اللقطة الذي يتابعه نحو 35 ألفا على صفحته في "فيسبوك"، أن معظم متابعيه من سكان الأراضي الفلسطينية المحتلة وتحديدا قطاع غزة، كما يقول.

حول إمكانية قيام الاحتلال بأي عمل أو سلوك عدواني قد يطاله شخصيًا أجاب: "لا أخشى كثيرًا من الاحتلال بقدر خوفي من وكلاء الاحتلال".

ويضيف: "حينما دخلت هذا المجال (فن الكاريكاتير) كنت أدرك جيدا أن الطريق واضح جدا: أنت تريد أن تقف في وجه الاحتلال ووكلائه".

ويتابع: "إذا لم تُشك ولم يُضيّق عليك ولم تُهدّد، فمعنى ذلك أنك لست على الطريق الصحيح وغير مهيأ لأكبر من ذلك"، بحسب تعبيره.

ويشدد على "أنني لست بأفضل ممن يخرجون على السياج (شرق قطاع غزة)، ولست أفضل من الشعب الفلسطيني الذي يجاهد منذ بدايات الثورة الفلسطينية في عام 1936م الذي قدم أبناءه، ويقدمون إلى اليوم، كل غال ونفيس من أجل فلسطين".

نظرة إكبار

وينظر اللقطة نظرة إكبار إلى تحركات الفلسطينيين في مسيرة العودة في غزة إذ يصف المشاهد الواردة من أماكن الاعتصام قرب السياج الشائك بين القطاع وأراضي الـ48 كأنها "لوحات إبداعية فنية" تذكر إلى حد كبير بساحة ميدان التحرير إبان ثورة 25 يناير عام 2011م في مصر الذي انتهت بإسقاط نظام الرئيس محمد حسني مبارك.

وما يجمع بين ما شهدته ساحة ميدان التحرير في حينه وما تشهده الساحة الفلسطينية حاليًا "تلك الأفكار الفنية الخلاقة المبدعة في مواجهة الظلم والاستبداد"، كما يقول.

ويضيف أن هذه المشاهد تؤكد أن الشعب الفلسطيني يرسم لوحات فنية تظهر أنه شعب عظيم صعب أن تكسر إرادته وهذا ما يؤرّق الاحتلال.

وحول رؤيته للواقع العربي ومدى تضامن الشعوب العربية مع فلسطين، يرى أنها ليست بالشكل المطلوب وكأن غزة يتيمة وحيدة، مرجعًا ذلك ربما "لفشل" ثورات الربيع العربي وما تلاها من حالة إحباط شديدة لدى تلك الشعوب "أو ربما لأن المؤامرة كبيرة عليهم".

لكنه يعتقد أن هذا "ليس مدعاة لأن نفقد الأمل، فالأصوات الحرة والشريفة لا تزال موجودة".

ويتابع: "هناك قوة صامتة كبيرة في عالمنا العربي، لكن يخيم عليها شيء من الإحباط. ربما مسيرة العودة وما يحدث على حدود غزة يبشر بنهاية الاحتلال".