لا يوجد احتلال في العالم قديمًا أو حديثًا قادر على المناورة، والمراوغة، والكذب، مثل الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين؟! ولعل الشيطان يتصاغر أمام مكرهم ومراوغاتهم، بل لعله أسلمهم مقعده وجلس يستريح على الماء؟!
خذ مثلًا هم نشروا مئات القناصين على الحدود الفاصلة مع قطاع غزة، وزودوهم بتعليمات القتل وكم يمكن أن يقتلوا ويجرحوا في اليوم الأول من مسيرات العودة الكبرى، وقد نفذ القناصون تعليمات قيادة الجيش، والقيادة السياسية بحذافيرها، فقتلوا في اليوم الأول (١٦) متظاهرًا سلميًّا، وأصابوا بجراح مختلفة أكثر من (١٥٠٠) متظاهر، وجميعهم لم يعرضوا حياة الجنود المحتلين للخطر، لأن تعليمات قادة المسيرة أنها سلمية، وإن كلمة السر الفاعلة تكمن في سلميتها، وهذا ما يشهد به الواقع.
إنه حين نجحت المسيرة في اختراق الرأي العام في العالم، وفي داخل دولة العدو، وبدأت الإدانات تتلاحق ضد استخدام القوة المفرطة ضد المتظاهرين السلميين، وانطلقت دعوات من جهات دولية، وأممية، تطالب بتحقيق في تصرفات الجيش المحتل، قررت حكومة العدو، وقيادة الجيش إجراء (تحقيقات داخلية) في تصرفات الجنود، وزعم المتحدث باسم الجيش، (رونين منليس) في حديثه مع مراسلي وكالات دولية، أن "إسرائيل ليست بحاجة إلى تحقيق (خارجي) بشأن أداء الجيش في الأحداث، وأنه يوجد لدى الجيش أجهزة فحص فاعلة خاصة به؟!
هذا الزعم الإسرائيلي له دلالتان: الأولى أن انتفاضة مسيرة العودة حققت بعض أهدافها الإعلامية على المستوى الدولي، وداخل مجتمع العدو أيضًا، وعرّت أخلاقيات الجيش الصهيوني بالوثائق، وأبرزته كجيش قاتل للمتظاهرين وللصبية وللنساء أيضا؟!
والثانية أنها كشفت عن مراوغة الجيش والقيادة الصهيونية التي قررت تشكيل لجنة تحقيق داخلية لإجهاض أي محاولة خارجية دولية لطلب إجراء تحقيقات في اعتداءات الجيش على المتظاهرين.
هذه التحقيقات الداخلية لا قيمة لها، وهل يخطّئ الجيش نفسه؟ وهو الذي تصرف بحسب التعليمات العليا؟! لقد تعوّد الفلسطينيون على هذه المناورات، فقد شهدوا عقم تحقيقاتهم زمن لجنة جولدستون، وزمن مذبحة قانا، وغيرها من الأحداث، خلاصة القول: إن جيش العدو بلا أخلاق يأمر الجنود فيقول لهم: اقتلوا الفلسطينيين لأنهم يستحقون الموت، ونحن نشكل لجنة تحقيق، ولا تخشوا النتائج؟!