للأسبوع الثاني على التوالي تتواصل فعاليات مسيرة العودة من حدود قطاع غزة، ومعها يتواصل حنق الغزاة وغيظهم، وكذلك تهديداتهم، وبعضها عبر وسطاء عرب للمفارقة، مع تدخلات خارجية؛ ما يشير إلى أن المسيرة قد حققت الكثير من الإنجازات المهمة، حتى لو رآها البعض رمزية.
وتزداد أهمية المسيرة لجهة التوقيت الذي يتزامن مع أحلام الغزاة الكبيرة لاستثمار الحريق الراهن في المنطقة، ووجود ترامب وفريقه الصهيوني في البيت الأبيض، مع حالة عربية غير مسبوقة في التراجع، أكان حيال الخطاب أم المواقف العملية حيال العدو الصهيوني.
لا حاجة لنا بمخاطبة من يشككون في كل شيء، تبعًا لمواقف مسبقة، ويتهمون في كل حال، سواءً أكانت المواجهة مسلحة، أم سلمية، أم دون أي مواجهة، ولكننا نتحدث إلى بعض المشككين ممن يبدون حرصا على القضية، وهؤلاء ينسون أننا إزاء صراع تاريخي مضت عليه سبعة عقود، وربما قبل ذلك مع الاستعمار البريطاني، وليس له حل سريع في ظل الظروف الموضوعية الراهنة. كما لا يرون حساسية هذه المرحلة تحديدا، والتي يتهيأ كثيرون خلالها لتصفية القضية؛ ما يعني أن أي جهد يصبّ في صالح إفشال المؤامرة هو جهد مهمٌ، بل بالغ الأهمية.
في هذا السياق، ننقل وجهة نظر لخبير أمني وسياسي إسرائيلي مهم (ضابط سابق في جهاز الاستخبارات العسكرية)، يعدد من خلالها إنجازات مسيرة العودة، بينما نكتب ونحن نتابع فعاليات ما أطلق عليها «جمعة الكاوشوك».
يرى «يوني بن مناحيم» أن النجاح الذي حققه الفلسطينيون يوم الأرض في الثلاثين من مارس الماضي، سيمنحهم حافزا أكبر لتوسيع هذا النجاح، وتعميمه في ذكرى إحياء النكبة في أواسط أيار/ مايو القادم.
ويعدد إنجازات المسيرة كالتالي، بحسب ترجمة تحليله الذي نشر قبل يومين: «عودة القضية الفلسطينية وحق العودة للفلسطينيين إلى أجندة السياسة الإقليمية والدولية، التسبب بإحراج إسرائيل في الساحة الدولية؛ لأن الفلسطينيين نجحوا بتصوير جيشها وهو يطلق النار ليقتل ويصيب 1400 فلسطيني في يوم واحد، إعادة موضوع حصار غزة والأزمة الإنسانية فيها من جديد إلى صدارة الاهتمام العالمي، وضع المزيد من العقبات أمام صفقة القرن للرئيس الأمريكي، تحويل حدود غزة الشرقية والجنوبية والشمالية إلى مراكز احتكاك جديدة بين الفلسطينيين والجيش الإسرائيلي، استعادة الطابع الشعبي للصراع الذي يخوضه الفلسطينيون، الحيلولة دون اتخاذ السلطة الفلسطينية لمزيد من العقوبات على القطاع». وينتهي إلى القول إن المسيرة «نجحت في عقد اجتماع طارئ لمجلس الأمن الدولي، والجامعة العربية، وتغيير حالة التجاهل للقضية الفلسطينية في البيئة الإقليمية والدولية، وهو ما سيؤدي إلى إعاقة مسيرة التطبيع بين إسرائيل وعدد من الدول العربية».
بقي القول إن هذه المسيرة، لن تخرج القضية من مأزقها الراهن، وحالة التيه التي تعيشها منذ تجديد سلطة أوسلو عام 2004 بصيغتها الجديدة، لكنها تذكير بضرورة ذلك.
القضية لن تخرج من مأزقها وحالة التيه إلا بتوافق كل القوى على انتفاضة شاملة في كل الأرض الفلسطينية ترفع شعار دحر الاحتلال دون قيد أو شرط، وبإعادة تشكيل منظمة التحرير وفق أسس ديمقراطية بإدخال حماس والجهاد؛ ولكي تغدو مرجعية حقيقية للشعب الفلسطيني، وجعل السلطة في الضفة والقطاع، مجرد سلطة إدارية تُدار بالتوافق بين جميع القوى.
المصيبة أن هناك من يصرّ على تجريب المجرّب، أو لنقل، يصرّ على الإبقاء على الوضع الراهن لأسباب لا تتعلق بقدرات الشعب ولا إرادته، بل تتعلق بقدراته وهواجسه هو.