فلسطين أون لاين

​"أبو عمشة" ابن غزة الثائر لحق العودة

...
غزة - أدهم الشريف

يطيل إسماعيل أبو عمشة النظر في صورة ابنه حمدان، ويتأملها جيدًا بعد ما غاب عن نظره شهيدًا بنيران جيش الاحتلال الإسرائيلي.

كان حمدان متوجهًا إلى الحدود الشمالية لقطاع غزة مع فلسطين المحتلة سنة 1948م، للمشاركة في إحياء الذكرى الـ42 لأحداث يوم الأرض، الذي يوافق الـ30 من آذار (مارس) من كل عام.

لكن قناصة الاحتلال المنتشرين على حدود شمال وشرق القطاع مع فلسطين المحتلة سنة 1948م كانوا بالمرصاد، فأصابه أحدهم برصاصة في ساقه اليسرى.

حالت الرصاصة التي أصابته دون هروبه من الرصاصات المتتالية عليه، بعدما ألقته أرضًا.

عند هذا الحد، لم ينتهِ مشهد الاستهداف بعد.

في المشهد الآخر: كان الأب قلقًا وهو يسأل عن ابنه في بيته الكائن ببلدة بيت حانون، شمال القطاع، غير أن الجميع يجيبون بأنهم لا يعرفون.

غاب عن البيت بعض الوقت قبل أن يعود إليه مجددًا، هناك فوجئ بتجمع مواطنين أمام منزله، فأثار ذلك حس القلق لديه.

"خير شو في، مالكم متجمعين هنا؟!" يسأل الوالد من جاءوا إلى بيته بعد أن وصل إليهم نبأ استهداف حمدان.

لم يتمالك الأب نفسه لحظتها، وراح مهرولًا إلى مستشفى البلدة لمعرفة مصير ابنه، فكانت روحه قد فارقت الجسد بعد استهدافه مع شاب آخر بالرصاص والقذائف.

"كان يعلم أنه قد يصاب بطلق ناري، لكنه كان مصرًّا على المشاركة في فعاليات يوم الأرض" يقول أبو عمشة (57 عامًا) لصحيفة "فلسطين"، وقد بدا حزينًا.

ويعلم الأب جيدًا أن جنود الاحتلال الإسرائيلي استخدموا القوة المفرطة في قمع المشاركين في مسيرات العودة الكبرى وكسر الحصار السلمية.

وهبَّ مئات الآلاف في 30 من الشهر الماضي عندما أحيا الفلسطينيون يوم الأرض إلى نقاط أقيمت فيها خيام العودة، التي امتدت من شمال قطاع غزة حتى جنوبه، في مشهد نوعي.

وتحاكي مشاهد الخيام مثيلاتها التي كان يملكها اللاجئون الفلسطينيون، المهجرون من أراضيهم المحتلة سنة 1948م، وأقيم عليها لاحقًا كيان الاحتلال الإسرائيلي، تنفيذًا لوعد "بلفور" الموصوف فلسطينيًّا بالمشؤوم.

غير أن جنود الاحتلال المطلين برؤوسٍ من خلف الثكنات العسكرية والتلال الرملية العالية لم يرحموا صغيرًا أو كبيرًا، وأطلقوا رصاصات كثيفة لإيقاع أكبر عدد ممكن من الشهداء والجرحى، فقتلوا في اليوم المذكور 15 مواطنًا، وأصابوا 1416 آخرين بجروح متفاوتة الخطورة.

"أصابوا حمدان أولًا برصاصة في الساق، حاول بعدها الاحتماء من الطلقات النارية المتتالية" ينقل أبو عمشة لـ"فلسطين" مشهد استهداف جنود الاحتلال لنجله.

يتابع وصفه قائلًا: "أحد الشبان رأى إصابة حمدان، فأسرع باتجاهه محاولًا إنقاذه وإبعاده عن مرمى رصاصات القناصين".

لكن ما هي إلا لحظات، حتى دوى انفجار كبير هز المكان في شمال بلدة بيت حانون.

كان الشاب الذي حاول إنقاذ حمدان هو ساري أبو عودة، الاثنان قضيا معًا لحظة الانفجار، وهما يسكنان في شارع واحد ببيت حانون.

يؤكد أبو عمشة أنه فخور بابنه حمدان، الذي ثار من أجل حق العودة وخرج متحديًا جنود الاحتلال، رغم قمع المتظاهرين، واستخدام السلاح ضد العزل.

لكنه لن يغفر لجنود الاحتلال ما فعلوه بحق ابنه الذي ودعه باكيًا، ومن قبله أحمد في عام 2006م، حينما استشهد إثر سقوط قذيفة دبابة على بيت العائلة.

يقول والد الشهيدين: "لن أتنازل عن حق العودة إلى بلدة الفالوجة، ولن أفرط ببلادي التي هجرتني منها العصابات الصهيونية، مهما بلغت التضحيات".

والشهيد حمدان متزوج، ولديه ابنان وبنت واحدة، أكبرهم محمد الذي يبلغ خمسة أعوام، يؤكد جدهم أبو عمشة أنه والعائلة سيمنحانهم الاهتمام والرعاية الكاملة.