فلسطين أون لاين

حلب ومفهوم النصر

...

تبادل بوتين التهاني مع الأسد بمناسبة تحرير مدينة حلب؟! وتجري في مدينة حلب احتفالات بالنصر يقوم بها كل من أنصار الرئيس الأسد وحلفائه من الطوائف الأخرى. بينما تمشط القوات السورية المنطقة الشرقية وتنزع الألغام والعبوات التي تركتها قوات المعارضة.

في تعليق لافت لجهات سعودية قالت بشكل تهكمي، هذا أول نصر سوري بعد هزيمة ١٩٦٧م، وعليه فالاحتفالات جائزة؟! وهذا القول يذكرنا باحتلال إسرائيل للجولان السوري منذ عام ١٩٦٧م، وحتى تاريخه، بل إن إسرائيل أعلنت ضم الجولان إليها دون أن تفعل الدولة السورية شيئا طوال هذه المدة البالغة لعقود مديدة.

ربما يجوز لروسيا والطوائف المشاركة في قتال حلب أن تفرح وأن تحتفل بالنصر، ولكن هذا الاحتفال غير مفهوم من طرف النظام السوري، لأن المدينة التي دمرت هي ثاني مدينة سورية بعد دمشق، والقتلى سوريون، والجرحى سوريون، والمهجرين رغما سوريون، فهل هذه الأمور تبعث على الاحتفال.

نحن نعيش في عصر غريب يضربنا العدو في عقر عواصمنا وقواعدنا العسكرية، ولا نتمكن من الرد على عدوانه، بل وأحيانا لا نعلق على اعتداءاته، ونفضل أن تبقى طيّ الكتمان خشية الفضيحة، بينما نسمي ما جرى في حلب نصرا، وتجري له الدولة احتفالات، بينما حلب جرح غائر في قلب سوريا، كما كانت حمص جرحا نازفا في الخاصرة السورية.

النصر الذي يحتفل به الأسد وحلفاؤه لا يعني توقف الدم السوري عن النزيف بعد حلب. سوريا تنزف من عام ٢٠١١م، وما زالت تنزف في مناطق مختلفة، والاستقرار بعيد عنها بعد المشرقين كما يقولون، حتى مع بقاء تدخل الروس والطوائف الأخرى.

مفهوم النصر هنا مفهوم شخصي ينتمي إلى تعريف النظام له فقط، وهو في نظر غير النظام ليس نصرا بالمفهوم العام، لأن القتال لم يتوقف، ولم تستسلم المعارضة لإرادة النظام، وما زالت الحرب دائرة في مواقع مختلفة من بلاد الشام العزيزة على قلب كل مؤمن يحب هذه البلاد، ويحب شعبها وأهلها.

إن خروج المدنيين من شرق المدينة مهجرين إلى غربها أو إلى إدلب لا يعد نصرا، وإن خروج المقاتلين بأسلحتهم الخفيفة من حلب الشرقية إلى إدلب مركز تجميع المعارضة لا يعد نصرا بأي حال من الأحوال. النصر أن يستسلم أحد الطرفين للآخر، وأن يفرض الطرف المنتصر إرادته وتصرفاته على الجميع.

في العالم العربي مهارة قديمة في تحديد مفهوم النصر بشكل مخالف لطبيعة الأشياء، فهزيمة ١٩٦٧م كانت مجرد نكسة وليست هزيمة، مع أنها أبلغ الهزائم في العصر الحديث، وحرب ١٩٧٣م كانت نصرا رغم أن الاحتلال الإسرائيلي دخل إلى الضفة الغربية وحاصر الجيش الثالث، وظل محتفظا باحتلاله وبتفوقه في الجولان السوري، نحن للأسف نحدد مفهوم النصر في ضوء رؤية الرئيس وفي ضوء ما يرضي الرئيس، وكأن العالم لا يرانا، وليس لديه مفاهيم واضحة عن النصر والهزيمة. شيء مؤسف ومؤلم، ولكن هذا هو حال العرب للأسف أيضا، عالمنا أشبه بالنعامة؟!