يبدع الشباب في ميدان مخيمات العودة شرق غزة في اختراع أساليب سلمية جديدة للتعبير عن حقهم في العودة ومواجهة الاعتداءات الإسرائيلية، وهم مصرون على استخدام أساليب جديدة في مواجهة الاحتلال، فكانت الجمعة الماضية من خلال التجمهر وإقامة صلاة الجمعة وإنشاء المخيمات التي يتردد إليها مئات الآلاف من الأطفال والنساء والشباب وكبار السن، وعلى مدار أسبوع وهم يمارسون دورهم في استهاض الروح الوطنية والتعبير عن مقاومة الاحتلال.
كل ذلك لم يمنع الاحتلال استخدام أساليبه النازية والفاشية في استهداف الشبان وقتل 19 شابًا وأمام عدسات الكاميرات وأمام الآلاف، ولم يتورع عن إصابة ما يزيد على 1400 جريح، بينهم 700 إصابة بالرصاص الحي، وهو الذي يعيش حالة من الهستيريا والإرباك أمام مشهد آلاف السلميين على حدود غزة.
أعلن الشبان أن غدًا هو جمعة الكاوشوك ويجمعون الآلاف من إطارات السيارات لإشعالها على حدود غزة للتعمية على جنود الاحتلال والقناصة، لمنع استهداف المدنيين في مخيمات العودة، وهو حق مشروع بغض النظر عن الجدال الذي أثاره البعض بخصوص اعتبار ذلك سليمًا أم لا، كأننا أمام احتلال ناعم يتفهم ذلك، وهو الذي لم يتورع عن القتل والتهديد بالمزيد كما صرح بذلك وزير الجيش ورئيس الأركان على حدود غزة بأنه سيستخدم القناصة لقتل مزيد من الفلسطينيين، بينما يصمت العالم رسميًا، ويشتعل شعبيًا ضد جرائم الاحتلال.
المسؤولية اليوم هي ابتداع كافة الطاقات لمواجهة الاحتلال وطرح القضية دوليًا لفضح إسرائيل وممارساتها وتعريتها أمام العالم، وصولاً للفعل الذي يجب ألا نخفيه وهو تحقيق العودة تدريجيًا، وصولًا إلى منتصف مايو ذكرى النكبة، وفي كل جمعة يمكن ابتداع أسلوب جديد لمواجهة الاحتلال، نقلل في الخسائر، ونضاعف الحشد الجماهيري والتعاطف الدولي.
قد نشهد الأيام القادمة محاولات للتدخل من بعض الأطراف للالتفاف على الحراك الشعبي، ومحاولة تهدئة الساحة لصالح بعض الانفراجات التي لن يصدقها الشارع الفلسطيني الذي انكوى بها خلال السنوات الأخيرة، وهنا يطرح السؤال إذًا عن الهدف من هذا التحرك، ولا يمنع التكرار أن أي حراك دون هدف لن يحقق النجاح المرجو، وما يطرحه البعض أن الهدف كبير ويصعب تحقيقه، فهو لا يدرك حقيقة التحركات الشعبية المشابهة التي شهدتها أوروبا وجنوب أفريقيا وغيرها ونجحت في ذلك.
ومن نافلة القول أن الشكل الجديد من المقاومة يستند إلى حقنا في استخدام كافة أشكال المقاومة ومنها المسلحة، لكن هنا الفرق أن القائمين على الحراك لا يتحدثون عن المقاومة المسلحة لتنفي السلمية أو العكس، بل لكل منهما سبيل يتم فيه استخدامه، وهنا الحديث عن الدفع بالمقاومة المسلحة لصد عدوان عسكري واسع، وأن التحركات الشعبية السلمية على حدود غزة لها موجباتها.
يجب ألا نحجر على أنفسنا أي وسيلة لمواجهة الاحتلال، جمعة الكاوشوك، أو المرايا أو إزالة الجدار، كلها مستباحة، وما أشاهده يوميًا وعلى مدار الساعة في مخيمات العودة يؤكد أننا أمام انتفاضة جديدة، قد تتجاوز انتفاضة الحجر وانتفاضتي الأقصى الأولى والثانية.