المسيرة محدودة المكان والزمان، وقد بدأت مسيرة العودة يوم 30/3/2018، باتجاه السياج الحدودي، وهي محكومة بزمن 15/5/ 2018 كما أعلن عن ذلك منظمو المسيرة، دون أن يحددوا الأهداف الآنية المرجو تحقيقها من المسيرة، ودون أن يحددوا آلية تحقيق الهدف الكبير للمسيرة، والذي يتمثل بالعودة إلى فلسطين، وتطبيق قرار الأمم المتحدة 194.
فهل سينطفئ وهج مسيرة العودة التي بدأت بحضور جماهيري فاعل في ذكرى النكبة؟ ومن يضمن تحقيق أهداف المسيرة حتى ذلك التاريخ؟
أزعم أن مسيرة العودة قد يصير اسمها انتفاضة العودة، ولا سيما بعد أن تفاعلت الجماهير مع فكرة المسيرة، واندفعت إلى الحدود بذلك الشكل الذي فاجأ الجميع، لتعبر عن ثورة شعب، وعن غضب مجتمع بكامل أطيافه من الوضع السياسي العام، ومن وضع غزة المحاصر بشكل خاص، لذلك لا يصح أن نضيق على الانتفاضة بزمن محدود، ولا يصح أن نحصرها في مكان، وإذا كان لانتفاضة العودة أهداف آنية تتمثل برفع الحصار عن غزة، وتوفير فرص عمل، ورفع العقوبات التي تفرضها السلطة على قطاع غزة، فإن للانتفاضة أهدافا سياسية تتمثل في محاربة الفساد السياسي الفلسطيني، وإفساد الترتيبات الهادئة والهادفة إلى تمرير صفقة القرن.
انتفاضة العودة تقول بلغة كل الناس: لا للانقسام الفلسطيني، ولا لتجاهل غزة وسكانها، ولا للتفرد بالقرار السياسي الفلسطيني دون الرجوع للشعب، الذي حرص على فرض وقائع ميدانية جديدة على الأرض، وأرسل إشارات تحدٍ إلى كل الأطراف التي خذلت الشعب الفلسطيني، وتلف بحبال المؤامرة على عنق القدس، وجسد الأرض الفلسطينية في الضفة الغربية.
انتفاضة العودة فعل مستمر من المواجهات والصدامات والتضحيات، يذكر الشعب الفلسطيني بانتفاضة الحجارة، مع فارق مكاني بين الانتفاضتين، ففي الوقت الذي واجهت فيه انتفاضة الحجارة جيش الصهاينة في شوارع ومدن الأراضي المحتلة في الضفة الغربية وغزة، تواجه انتفاضة الحجارة جيش الصهاينة نفسه على الحدود مع غزة، هنالك بعيداً عن المدن، ولا فرق بين مواجهة ومواجهة إلا بذلك الصوت النشاز الذي يخرج من بين صفوف الفلسطينيين، ليشكك بجدوى المواجهات، ويقلل من شأن الدماء التي تنزف على تراب فلسطين.
انتفاضة العودة لا تدافع عن غزة فقط، ولا تصرخ في وجه الفساد والظلام والتعصب والتجاهل من أجل سكان غزة، انتفاضة العودة تحاكي أحلام وطموح ملايين اللاجئين، وإذا كانت البداية من غزة، وعلى السياج الحدودي مع الأرض المغتصبة سنة 48، فإن الأيام القادمة والتي تليها ستفرض الانتفاضة واقعاً جديداً على أرض الضفة الغربية، وفي القدس، وعلى الحدود مع الأردن، وهذا ما يترقبه شباب وشيوخ وأطفال ونساء انتفاضة العودة، لأن فلسطين ملك لكل الفلسطينيين، ولأن الضفة الغربية والقدس مجال الطمع الصهيوني، ومحور التآمر على الأرض والإنسان، بالتالي فإن قيمة الحراك في الضفة الغربية يفوق أضعافا مضاعفة قيمة الفعل على أرض غزة.
انتفاضة العودة التي بدأت بحشود جماهيرية مسالمة على أرض غزة، يجب ألا تتطور إلى مواجهة عسكرية، لتنتهي انتفاضة العودة بانتهاء زمن المواجهة المسلحة، انتفاضة العودة يجب أن تتواصل على الحدود بكافة الأشكال السلمية المحرجة للمجتمع الدولي، والمغيظة للعدو، وعلى الشعب الفلسطيني بكافة تنظيماته وقواه السياسية أن يحرص على الاستمرارية، ودعم انتفاضة العودة بكل السبل، مع ضرورة ترشيد المواجهة مع عدو يتعمد إيقاع أكبر عدد من الإصابات، بقصد ردع شباب فلسطين من جهة، وطمأنة المستوطنين اليهود من جهة ثانية.